أحدث الأخبار
  • 09:43 . السودان يتهم أبوظبي بالوقوف وراء هجوم بورتسودان... المزيد
  • 05:24 . "علماء المسلمين” يعتبرون إبادة غزة جريمة إنسانية ويطالبون بانتفاضة عاجلة... المزيد
  • 11:56 . انطلاق الدورة الرابعة من "اصنع في الإمارات" في أبوظبي... المزيد
  • 11:56 . تحوّل "كلية ليوا" إلى "جامعة ليوا" بعد اعتماد رسمي من وزارة التعليم العالي... المزيد
  • 11:16 . ترامب يشيد بالعلاقات مع الإمارات وقطر والسعودية... المزيد
  • 11:09 . روسيا تحظر نشاط منظمة العفو الدولية... المزيد
  • 11:08 . القبض على سوري مشتبه به في طعن خمسة أشخاص بمدينة بيليفيلد الألمانية... المزيد
  • 09:13 . مقتل طاقم طائرة تدريب مصرية إثر سقوطها في البحر... المزيد
  • 05:57 . السودان.. البرهان يعين المرشح الرئاسي السابق كامل إدريس رئيساً للوزراء... المزيد
  • 05:39 . صحيفة بريطانية: أبوظبي وبكين تعيدان قوات الدعم السريع إلى اللعبة بعد طردها من الخرطوم... المزيد
  • 12:00 . كيف تعود صفقات ترامب "التاريخية" مع الخليجيين بالنفع على حفنة من النافذين؟... المزيد
  • 11:12 . الجيش السوداني يستعيد منطقة استراتيجية حدودية شمال دارفور... المزيد
  • 06:16 . حجم التجارة بين الإمارات وروسيا يتجاوز 9 مليارات دولار... المزيد
  • 01:37 . السعودية تستأنف نقل الحجاج الإيرانيين جوّاً بعد عشر سنوات من التوقف... المزيد
  • 07:33 . الاحتلال يرتكب مذابح في غزة تخلف أكثر من 130 شهيداً... المزيد
  • 05:16 . "الأمن السيبراني" يعلن أول إرشادات وطنية للطائرات بدون طيار... المزيد

نحن وحرية التعبير

الكـاتب : ماجد محمد الأنصاري
تاريخ الخبر: 08-11-2016

هناك صراع مستمر ومتكرر ليس في مجتمعاتنا العربية فقط، بل في كل مجتمع يشهد تحولات اجتماعية وثقافية، حتى في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، هذا الصراع يدور حول ماهية ومركزية حرية التعبير في الحياة العامة، حرية التعبير بطبيعة الحال ليست مصطلحا حديثا، بل لا يوجد اتفاق حول نشأته وبدء استخدامه، فالبعض يعود به إلى الديمقراطية الأثينية التي كفلت للمواطنين الأثينيين حصرا حرية أن يقولوا ما يريدونه في إطار الديمقراطية المباشرة، وفي ميثاق الحقوق البريطاني تم إقرارها، وكانت أحد أهم شعارات ومطالبات الثورة الفرنسية، وفي تراثنا الإسلامي هناك نماذج ثرية من السيرة وعصر الخلافة الراشدة تشير بوضوح إلى تمكين الناس من التعبير عن آرائهم السياسية، التي قد تكون ناقدة في كثير من الأحيان، فالنبي صلى الله عليه وسلم وفر بيئة حرة مكنت بعض الصحابة رضوان الله عليهم من طرح آرائهم ولو كانت مخالفة لرأيه عليه الصلاة والسلام، ويروى أن سلمان رضي الله عنه وقف معلنا إضرابا سياسيا حتى يكشف عمر رضي الله عنه عن شيء من ذمته المالية وفعل وهو الخليفة دون أن يمنعه أحد أو يحاسبه عمر، ولكن حرية التعبير أخذت بُعدها العالمي المتوافق عليه من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 ومعاهدة الحقوق المدنية والسياسية العالمية عام 1966، مع هذه الاتفاقيات أصبح هناك اتفاق عالمي على مبدأ حرية التعبير، على الأقل من الناحية النظرية.
ولكن ما حرية التعبير؟ كغيرها من المصطلحات السياسية والاجتماعية تعريفها ليس متفقا عليه ولا حتى الممارسة محط اتفاق، ولكنها تعرف بشكل عام بأنها قدرة الإنسان على صياغة وطرح أفكاره دون خوف من المحاسبة أو الأذية مع وجود بعض الاستثناءات، معاهدة الحقوق المدنية والسياسية نفسها تحدد العديد من هذه الاستثناءات، ومن ذلك ما يتسبب في الضرر لآخرين، وتشويه السمعة، والإضرار بالأمن العام أو الصحة أو حتى الأخلاق العامة، فحرية التعبير ليست مطلقة كما يحلو للبعض أن يتخيل، لا في شكلها النظري ولا في الممارسة العملية، وهي مسألة انتقائية ومرنة يحددها المجتمع ذاته من وحي ثوابته وثقافته الحاكمة، في العديد من الدول الأوروبية مثلا يعتبر إنكار المحرقة اليهودية جرما يحاسب عليه القانون حتى لو كان في إطار بحث علمي، وفي الولايات المتحدة يعتبر الحديث حول أن الشذوذ الجنسي مرض خطاب كراهية وقد يعاقب عليه القانون أحيانا، وهكذا أينما ذهبت تجد قيودا مقبولة متوافقا عليها لحرية التعبير، هذه القيود ليست ثابتة ولا تحكمها قواعد واضحة، هي أحيانا مرتبطة بقيم المواطنة والمدنية وأحيانا بقيم دينية اجتماعية.
اليوم يتعرض مجتمعنا كمثله من المجتمعات الصاعدة لتغيرات اجتماعية وثقافية متسارعة، هذه التغيرات تلقي بظلالها على قيم المجتمع، ومن الطبيعي أن ينشأ احتكاك بين القيم التي وفدت إلينا مع الانفتاح على الآخر ومع تزايد التنوع العرقي والديني محليا وبين القيم الأصيلة والثوابت الدينية التي بنيت عليها هذه البلاد، فكيف نتعامل إذاً مع هذا الاحتكاك بين القيم الوافدة والقيم الأصيلة؟ في الحقيقة الفرصة الآن مناسبة لأن نخوض حوارا مجتمعيا شاملا نتعرف من خلاله على الثوابت التي هي محط اتفاق اجتماعي عام، تلك التي لا تقبل فيها مساومة ولا يعتبر الاعتداء عليها في إطار حرية التعبير، هذه الثوابت ولا شك ستنطلق من تعاليم ديننا الدين الرسمي للدولة، ولكنها ذات أبعاد أخرى اجتماعية وثقافية تحتاج إلى نقاش مستفيض بين أبناء الوطن، ولا شك أن حصول اتفاق كامل بين أبناء بلد ما على هذه الثوابت ليس واردا، ولكن هذه الثوابت تحددها أطر قانونية وتوافق اجتماعي يمثل غالبية المنتمين لهذا الوطن، أما الأفكار الوافدة فما لا يتصادم مع هذه الثوابت منها فهو لا شك محط نقاش وفهم واستيعاب، وربما تتبنى حتى تصبح جزءا من منظومتنا الثقافية.
ولكن وحتى حصول ذلك فهناك ثوابت معروفة في مجتمعنا ليست بحاجة لحصول توافق معلن حولها، انتهاك هذه الثوابت والتعدي عليها باسم حرية التعبير يمثل استفزازا سيواجهه المجتمع قبل الأجهزة الرسمية، ولدى مجتمعنا من الوازع الديني والاجتماعي ما جعله متفاعلا وبشكل دائم لحماية ثوابته، وقلما تمر انتهاكات من هذا النوع دون ردة فعل اجتماعية عامة، ومن ثم فإن المؤسسات الوطنية تتصرف بما يمليه عليها دورها وانتماؤها الوطني لتكون متماهية مع قيم المجتمع وثوابته، في الوقت نفسه لا بد أن تكون ردات فعلنا متناسبة مع طبيعة هذه الانتهاكات وحجمها، فالتخوين والخطاب العنصري والسب والشتم ليست وسائل متناسبة مع مجتمع يحمل قيما سامية كمجتمعنا هذا، من حق كل فرد في هذا المجتمع أن يعبر عن رأيه وموقفه تجاه أي ظاهرة أو ممارسة، ولكن ذلك يكون في إطار القانون والأخلاق، فالحفاظ على قيم المجتمع لن يكون يوما بانتهاكها، مجتمعنا الآن في مرحلة تشكل وإعادة تشكل مستمرة، وعلينا أن نعمل معا في إطار الحفاظ على جذور هذا المجتمع الراسخة والتطلع نحو السماء بأغصان التقدم والازدهار.;