يمثل خيار التكتل الاقتصادي بين الدول فرصة ذات أهمية كبيرة لتحقيق التكامل وتعميق دينامياته الفاعلة فيما بينها، وذلك لأن التكامل يعد صفة أصيلة من صفات النظام الاقتصادي الناجح ووسيلة فعالة ومثالية من أجل الوصول إلى مستويات عالية من التنمية الاقتصادية التي تحقق لجميع الدول والشعوب المشاركة حالة من القوة والاستقلال الذاتي، كما أنه يسهم في تطوير الصناعة الوطنية وإنعاش الازدهار الاقتصادي وزيادة الرفاهية.. وهذا ما حدث بالفعل مع اقتصادات كل الدول التي دخلت في تكتلات اقتصادية إقليمية تروم التكامل والاندماج فيما بينها. والنماذج شاهدة على ذلك وتؤكده عبر العالم.
لذلك فقد سعدنا جداً بالاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية بدول مجلس التعاون لدولة الخليج العربية، والذي عقد مؤخراً في العاصمة السعودية الرياض، بغية إيجاد تكتل اقتصادي يجمع دول الخليج العربي. الاجتماع كان يهدف إلى تعميق التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون، ومناقشة كل ما يتعلق بهذا الأمر من آليات وخطط وبرامج وقرارات.
صحيح أن دول الخليج العربية كان لديها اهتمام بموضوع التكامل الاقتصادي منذ بداية قيام مجلس التعاون، إلا أن طموحها إلى تكوين اتحاد وتكتل اقتصادي عميق، أخذ يتشكل تدريجياً حتى وصل الآن إلى صورة هذه المبادرة التي ستمهد الأجواء الاقتصادية في دول المنطقة لدخول مرحلة جديدة من التكامل، خاصة في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها عالم اليوم، والتي تتطلب من الجميع إدراك ضرورة التكامل والمراقبة الدقيقة لمسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحتمية إطلاق دينامية خليجية قوية تنافس التكتلات الأخرى، وتسهم في توسيع السوق الخليجي وزيادة الاستثمارات فيه وتحسين نوعية منتجاته وتجويدها وتيسير الاستفادة من الكفاءات والخبرات ذات الجودة العالية وتنظيم تبادلها بين دول المجلس، وتسهيل جهود التنمية الاقتصادية التي ترفع من مستوى الرفاهية لمصلحة شعوب المنطقة، وبالتالي خلق حالة من الثقة والطمأنينة على مستقبل دول مجلس التعاون، فالمرحلة القادمة في مسيرة التنمية الخليجية هي مرحلة في غاية الأهمية، إذ تحتاج إلى تعميق مثل هذا التكامل وتطوير آلياته وتنويع مجالاته التنموية، خاصة في مجال التعليم والثقافة، لأن العنصر البشري هو الركيزة الأساسية لهذا التوجه. لذلك لا بد من العمل بإتقان ومهارة حتى تكون لجهود التكامل الخليجي ثمارها المنتظرة في مجالات الابتكار والإبداع، مما يساهم في تطوير نوعية التنمية التي تحتاجها المنطقة خلال المرحلة القادمة، وذلك عبر رسم خريطة اقتصادية جديدة.إن نجاح التكتل الاقتصادي الخليجي يتوقف على قدرة الدول الأعضاء على فهم طبيعة كل المعوقات التي قد تقف في وجه مثل هذا التوجه، والعمل جدياً على إزالتها. فإذا نجحت في فهم وتحقيق مثل هذه المتطلبات، فإن من شأن ذلك أن يجعل تكتلها قوة كبرى وعظيمة التأثير في خريطة الاقتصاد العالمي، والأهم أن تكون هناك اقتصادات وطنية راسخة وقوية في دول المجلس.
التكتل الخليجي، إذا ما قدر له أن يتطور وفق رؤية واضحة، يمكنه منح اقتصادات دول المنطقة قوة حقيقية للعطاء والتجويد والتنويع والابتكار والقدرة على المنافسة والانطلاق نحو مستقبل اقتصادي واستثماري واضح وزاهر.