لم تعد تركيا تحتمل استفزازات الاتحاد الأوروبي ولغة الاستعلاء التي تستخدمها العواصم الأوروبية في التعامل مع أنقرة، وكأنها مضطرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وليس أمامها أي خيار آخر، وبالتالي مستعدة للخنوع والتنازل وبذل الغالي والنفيس من أجل أن تجد لنفسها مكانا في صفوف أعضاء هذا النادي.
أوروبا هي اليوم «الرجل المريض»، ولكن معظم المسؤولين الأوروبيين ما زالوا يكابرون، ويرفضون الاعتراف بالحقيقة، ولا يرون أن التوازنات قد تغيرت وأن اتحادهم ينحدر يوما بعد يوم نحو التفكك والانهيار.
الأوروبيون لم يفهموا حتى الآن أن الأتراك كانوا بالأمس يرغبون في انضمام بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن تلك الرغبة تآكلت خلال السنوات، ولم تعد موجودة، كما لم يفهموا أن تهديدهم بإنهاء المفاوضات وفرض العقوبات وما إلى ذلك، لا قيمة له ولا وزن لدى الشعب التركي.
نتائج آخر استطلاع للرأي أجري خلال نوفمبر الجاري، تشير إلى أن 68 بالمائة من الأتراك يرون أن أنقرة يجب أن لا تواصل مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأن 76 بالمائة منهم يؤيدون فكرة انضمام بلادهم إلى منظمة شنغهاي للتعاون.
رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، عبر عن استياء الأتراك من سوء تعامل الاتحاد الأوروبي مع بلادهم، حين قال إن «تركيا لا تحتاج إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بأي ثمن، وبدلا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يمكن أن تصبح عضوا في منظمة شنغهاي للتعاون».
البرلمان الأوروبي دعا الخميس الماضي في قرار غير ملزم اعتمد بغالبية النواب في ستراسبورج، إلى تجميد مؤقت لعملية انضمام تركيا التي بدأت عام 2005 بسبب «القمع غير المتكافئ» الجاري منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو. وفي المقابل، تدعو غالبية المواطنين الأتراك حكومتهم إلى إنهاء العملية برمتها، بدلا من تجميدها بشكل مؤقت، وترك أوروبا إلى مصيرها.
الأتراك سئموا من ألاعيب الأوروبيين، ولفهم ودورانهم، ويرون أن قرار البرلمان الأوروبي مجرد ابتزاز رخيص يهدف إلى الضغط على أنقرة، لأنه غير مخوَّل لتعليق مفاوضات الانضمام أو إنهائها، بل الزعماء الأوروبيون هم الذين يقررون بدء المفاوضات أو تجميدها أو إنهاءها مع دولة ما. ومع ذلك، قرار البرلمان الأوروبي الذي اتخذ بغالبية كبرى يبعث إلى الأتراك رسالة سياسية مفادها: «لا نريدكم في أوروبا».
الأوروبيون يريدون استخدام تركيا كــ «حرس الحدود» بثمن بخس لحماية أمنهم واستقرارهم، ويعتقدون أن من حقهم فرض سياساتهم ومواقفهم على أنقرة، ولو كانت تلك السياسات والمواقف تتعارض مع مصالح تركيا جملة وتفصيلا. بل ويحتضنون قادة منظمات إرهابية تقاتل ضد تركيا، ويوفرون لهم كافة أنواع الدعم، ثم يطلبون من الأتراك أن لا يعترضوا على ذلك، ولا يرفعوا أصواتهم ضد تصريحات المسؤولين الأوروبيين المستفزة وتقارير الاتحاد الأوروبي المليئة بالتضليل والمغالطة.
المثل التركي يقول إن «الدلع الزائد يؤدي إلى أن يسأم العاشق». ومن الأفضل للمسؤولين الأوروبيين أن يكفوا عن سياسة اللعب بالأعصاب وأن يبحثوا عن أجوبة لمثل هذه الأسئلة: من الذي يحتاج إلى الآخر أكثر، أوروبا أم تركيا؟ ومن الذي يراوغ ويماطل، الاتحاد الأوروبي أم أنقرة؟ ولماذا على الأتراك أن يصبروا على دلع الأوروبيين وأذاهم؟;