أحدث الأخبار
  • 09:13 . مقتل طاقم طائرة تدريب مصرية إثر سقوطها في البحر... المزيد
  • 05:57 . السودان.. البرهان يعين المرشح الرئاسي السابق كامل إدريس رئيساً للوزراء... المزيد
  • 05:39 . صحيفة بريطانية: أبوظبي وبكين تعيدان قوات الدعم السريع إلى اللعبة بعد طردها من الخرطوم... المزيد
  • 12:00 . كيف تعود صفقات ترامب "التاريخية" مع الخليجيين بالنفع على حفنة من النافذين؟... المزيد
  • 11:12 . الجيش السوداني يستعيد منطقة استراتيجية حدودية شمال دارفور... المزيد
  • 06:16 . حجم التجارة بين الإمارات وروسيا يتجاوز 9 مليارات دولار... المزيد
  • 01:37 . السعودية تستأنف نقل الحجاج الإيرانيين جوّاً بعد عشر سنوات من التوقف... المزيد
  • 07:33 . الاحتلال يرتكب مذابح في غزة تخلف أكثر من 130 شهيداً... المزيد
  • 05:16 . "الأمن السيبراني" يعلن أول إرشادات وطنية للطائرات بدون طيار... المزيد
  • 05:00 . السودان يتهم أبوظبي بانتهاك الأعراف الدبلوماسية بعد إبعاد موظفين قنصليين من دبي... المزيد
  • 11:44 . سوريا تُطلق هيئة وطنية للعدالة الانتقالية لمحاسبة جرائم نظام الأسد... المزيد
  • 11:43 . إحباط محاولة تهريب 89 كبسولة كوكايين داخل أحشاء مسافر في مطار زايد الدولي... المزيد
  • 11:29 . السفارة الأمريكية في طرابلس تنفي وجود أي خطط لنقل فلسطينيين إلى ليبيا... المزيد
  • 11:28 . السعودية تؤكد ضرورة وقف النار في غزة وأهمية دعم استقرار سوريا... المزيد
  • 11:26 . جيش الاحتلال الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن... المزيد
  • 10:45 . الدوحة تستضيف جولة جديدة من محادثات الهدنة بين حماس والاحتلال... المزيد

السياسة بين التجريد والتعقيد

الكـاتب : ماجد محمد الأنصاري
تاريخ الخبر: 17-01-2017

كم كانت الدنيا بسيطة حين كنا أطفالاً، كل شيء أبيض أو أسود، حلو أو مر، صحيح أم خاطئ، هكذا نبرمج، يعلمنا الكبارما هوالصحيح فنفعله، وينهروننا إذا قمنا بشيء خاطئ، تطورت الأمور قليلاً وتعلمنا كيف نخطىء ومتى نخطئ، ولكن بقيت الدنيا لونين، في مرحلة معينة من عمرك بعد أن تتعرض لعوامل التعرية الأخلاقية والفكرية تكتشف أن هناك مساحة رمادية، هذه المساحة تتسع شيئاً فشيئاً حتى يغدو تقييمك لما حولك نسبياً، يعتمد تقييمك على عناصر متعددة قد تبرر الخطأ هنا لصالح صواب أكبرهناك، وربما تكون المساحة الرمادية أكبر بشكل خاص في مجال السياسىة، لا يكاد يكون في السياسة مساحات واضحة من البياض والسواد، ولكن مع ذلك هناك الكثيرمن اللاعبين على الساحة الذين يرفضون الاعتراف بهذه المساحة، المشكلة هي أن هؤلاء يفترضون أن الخلافات السياسية الكبرى يمكن أن تحل بحل واحد سحري وربما تصرف أولئك في الميدان بهذه العقلية فبدل أن يساهموا في حلحلة المشاكل يساهمون في تعقيدها.
أذكر حين كنت أدرس في الولايات المتحدة عام 2000 أن أحد الإخوة من المسلمين الجدد كان يلح علينا بأن الحل لمشاكل المسلمين سهل جداً، كل ما علينا فعله هو الانتقال مع أموالنا وأهلينا والعيش في أفغانستان في ظل حكومة طالبان، بالتالي تقوى دولتهم اقتصادياً وبشرياً وثم تسود العالم، ومع محاولاتنا المتكررة لإقناعه ظل مصراً على أننا نعقد الأمور فحسب، بعدها بعامين زالت دولة طالبان من الوجود في ظل قراردولي أنها لا تصلح في السياق العام ويجب التخلص منها، واليوم يقال نفس الكلام حول تنظيم الدولة الإسلامية، هناك الكثير من أولئك الذين يرون العالم بنظارتهم ويعتبرون أن المسألة منتهية، دولة إسلامية قامت وتحتاج إلى بعض الدعم وتنقلب موازين القوى عالمياً بين عشية وضحاها، لا يمكن إقناع أولئك بأن العالم معقد ولا بأن هذا التنظيم مخترق مخابراتياً وينفذ أجندات القوى المختلفة بقصد وبدونه.
وهذا التجريد للواقع السياسي لا يتوقف عند تنظيم الدولة ومؤيديه، هذه النظرة التجريدية موجودة حتى عند أنصار الدولة المدنية والليبرالية الغربية، يعتقد أولئك أن مجلساً وحكومة منتخبين سيتخلصون مباشرة من كل الأزمات السياسية، وأن التخلص من شخوص الأنظمة الفاسدة كفيل بإنهاء الظلم، والحقيقة رأيناها في الربيع العربي، أن الانتخابات لن تؤدي بالضرورة إلى حل سياسي شامل ولا لحلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، بل ربما كانت سبباً في عودة القوى التي قام ضدها الربيع العربي في هذا القُطْر وذاك، وبعض من ينظر سياسياً دون فهم حقيقي للواقع يضع حلولاً سحرية فيقول مثلاً أننا لو طبقنا التعليم بشكله الغربي سينضج المواطن وينتهي الفساد، وينسى أولئك أن معظم الذين يمارسون الفساد بشتى صوره متعلمون في السياق الغربي، ومنهم بشار الأسد.
عندما نجرد واقعنا من العوامل المتداخلة ونفترض أن هناك مشكلة واحدة وحلاً واحداً فنحن نعيش في عالم الخيال، الواقع السياسي مضطرب ومتداخل بشكل عال، ربما يكون الحل لمشكلة معينة هو باب لعشرين مشكلة أخرى، الانتقال السياسي إلى الديموقراطية في بلد معين قد ينتج عنه الازدهار بعد حين ولكن في آخر قد يحول الدولة إلى دولة فاشلة، ولكل دولة ومجتمع ظروف متعددة لا بد من فهمها قبل طرح الحلول للمشكلات الرئيسية، وهنا تأتي الحاجة إلى نظرة واقعية معقدة للواقع من حولنا، نظرة تعطينا القدرة على التعامل مع طموحاتنا بما يتناسب مع ما هو موجودعلى الأرض من إمكانيات وظروف، وبإمكاننا حينها أن نقبل بقصور في جانب حتى يتحقق التطور في جانب آخر بشكل سلس، وبإمكاننا العمل على مكتسبات جزئية دون القلق من أن هذه المكتسبات الجزئية تأتي في سياق سياسي فاسد وظلم متجذر، والصورة الطوبائية للتغيير الشامل يجب أن تستبدل بما يمكن تحقيقه دون إحداث انهيار اجتماعي سياسي للوصول للهدف.
أصحاب الحلول الصفرية في الحالة السورية مثلاً كان لهم دورسلبي كبيرفي الإخفاقات المتكررة في تحقيق مكتسبات ولو جزئية خلال الصراع، والذين يلومون تركيا اليوم على موقفها عليهم أن يعلموا أن تركيا دفعت ثمناً غالياً لمواقفها «المثالية» في الموقف السوري لفترة طويلة وهي اليوم تحاول أن تتعافى من آثار هذه المثالية، على العكس واقعية «النهضة» و»العدالة والتنمية» مغاربياً كلفتهم غالياً على المدى القريب ولكنهم حققوا من خلالها مكتسبات لا يستهان بها على مستوى النظام السياسي، طبعاً لا يمكن بأية حال مقارنة هذه الحالات مع بعضها فكما قلنا لكل حالة ظروفها، ولكن بشكل عام نحن جميعاً بحاجة إلى نظرة واقعية متأنية نستوعب من خلالها العالم باعتباره كلاً متداخلاً وباعتبارنا أجزاءً منه لا ننفصل عن مشاكله الكلية ولا يمكننا الانفكاك عنه متى أردنا لتطبيق رؤية سياسية مثالية مجردة.;