إذا كنت مهندساً فما هو المتوقع منك أن تفعل بالضبط؟ بحسب تخصصك يمكنك أن تضع مخططات هندسية لمبانٍ أو منشآت أو.. إلخ، هذا إذا كنت مهندساً معمارياً، وقد تكون مهندساً مدنياً فتنقذ مخططات في مجالات البنية التحتية، أو مهندس ديكور وهكذا، يبدو ذلك منطقياً جداً وغير قابل للنقاش.
وكذلك الأمر، إذا كنت معلماً أو طبيباً أو نجاراً أو قبطاناً أو إطفائياً، هل يمكن أن نتخيل إطفائياً يمنع من إطفاء بعض الحرائق إذا اشتعلت بينما يترك أمكنة أخرى تشتعل ثم يغض الطرف ويمضي؟ أظنه لو فعل ذلك لتعرض لمساءلة قانونية، وكذلك رجل الشرطة هل يمكنه أن يتعرض للتهديد إذا طارد عصابة من اللصوص؟ لا يمكن، إذاً نحن لن نتخيل أمراً يصدر لرجل شرطة بأن يمارس عمله بشكل انتقائي، فذلك يتنافى مع أبسط قواعد العمل الأمني والشرطي!
كل المهن مطلوب من أصحابها أن يلتزموا قواعد الصرامة والموضوعية والنزاهة في تأدية أعمالهم على أكمل وجه، بحيث لا يمكن لأحد أن يهددهم أو يمنعهم أو يعرقلهم عن تأدية وظيفتهم، إلا الصحفي أو الكاتب، فالمنظمة الدولية للصحافة، ومراسلون بلا حدود، والاتحاد الدولي للصحفيين، وشبكة الصحفيين الدولية، ومنظمة إعلاميون حول العالم، ومنظمة الصحافة العالمية، وغيرها من التجمعات والروابط الصحفية المهنية، ترصد باستمرار حالات التعدي والاغتيالات والاختطاف والتعذيب التي تمارس ضد الصحفيين في كل أنحاء العالم.
فحتى في الولايات المتحدة الأميركية التي تتباهى بكونها قلعة الديمقراطية، والدولة التي شهدت أول انتصار للصحافة في مواجهة سلطة الحاكم البريطاني عام 1735، حتى هناك يتم أحياناً طرد صحفيين من مؤتمرات صحفية لرؤساء ووزراء كما حدث في فترة حكم جورج بوش الابن ودونالد ترامب، لأن الأسئلة المطروحة لم ترق للرئيس، لأنها اصطدمت بسياساتهما الخاطئة!
يتعرض الصحفي لسلسلة لا نهاية لها من القمع وعرقلة العمل، من إدارة صحيفته أو محطته التلفزيونية، من مصادر معلوماته، من الجهات الأمنية، من بعض فئات الجمهور الذين لا تروق لهم الموضوعات التي يتناولها، من أصحاب النفوذ والشركات وأصحاب رؤوس الأموال الذين يصطدم بهم حين يجرؤ على التوغل في ملفات فسادهم.
فيكون كمن دس يده في عش دبابير وعليه أن يتحمل النتيجة، ولعل أكثر الأمثلة التي لا تنسى، تلك التي راح ضحيتها صحفي عربي حين وضعت يده في مادة حمضية عقاباً له على ما كتب بحق النظام الحاكم!
وكأن الكاتب العربي لا يكفيه ما به ليأتيه قارئ لا يجيد كتابة اسمه، فيكتب له مهدداً أن يمتنع عن الكتابة عن السيد الرئيس ترامب، وإلا فلا يلوم إلا نفسه!! عزيزي القارئ عن ماذا سنكتب إذاً؟