أحدث الأخبار
  • 09:13 . مقتل طاقم طائرة تدريب مصرية نتيجة سقوطها في البحر... المزيد
  • 05:57 . السودان.. البرهان يعين المرشح الرئاسي السابق كامل إدريس رئيساً للوزراء... المزيد
  • 05:39 . صحيفة بريطانية: أبوظبي وبكين تعيدان قوات الدعم السريع إلى اللعبة بعد طردها من الخرطوم... المزيد
  • 12:00 . كيف تعود صفقات ترامب "التاريخية" مع الخليجيين بالنفع على حفنة من النافذين؟... المزيد
  • 11:12 . الجيش السوداني يستعيد منطقة استراتيجية حدودية شمال دارفور... المزيد
  • 06:16 . حجم التجارة بين الإمارات وروسيا يتجاوز 9 مليارات دولار... المزيد
  • 01:37 . السعودية تستأنف نقل الحجاج الإيرانيين جوّاً بعد عشر سنوات من التوقف... المزيد
  • 07:33 . الاحتلال يرتكب مذابح في غزة تخلف أكثر من 130 شهيداً... المزيد
  • 05:16 . "الأمن السيبراني" يعلن أول إرشادات وطنية للطائرات بدون طيار... المزيد
  • 05:00 . السودان يتهم أبوظبي بانتهاك الأعراف الدبلوماسية بعد إبعاد موظفين قنصليين من دبي... المزيد
  • 11:44 . سوريا تُطلق هيئة وطنية للعدالة الانتقالية لمحاسبة جرائم نظام الأسد... المزيد
  • 11:43 . إحباط محاولة تهريب 89 كبسولة كوكايين داخل أحشاء مسافر في مطار زايد الدولي... المزيد
  • 11:29 . السفارة الأمريكية في طرابلس تنفي وجود أي خطط لنقل فلسطينيين إلى ليبيا... المزيد
  • 11:28 . السعودية تؤكد ضرورة وقف النار في غزة وأهمية دعم استقرار سوريا... المزيد
  • 11:26 . جيش الاحتلال الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن... المزيد
  • 10:45 . الدوحة تستضيف جولة جديدة من محادثات الهدنة بين حماس والاحتلال... المزيد

نقد الذات والنقد لذاته

الكـاتب : ماجد محمد الأنصاري
تاريخ الخبر: 07-03-2017


النقد الذاتي يعتبر من الممارسات الإيجابية على المستوى الشخصي والمؤسسي والمجتمعي، فالنظرة الجادة الفاحصة والناقدة التي تنبع من الداخل والتي تتجاوز الانتصار للذات إلى توجيه النقد لها دلالة نضج في أي مستوى كانت، مقدرة الشخص أو المؤسسة أو المجتمع على التعرف على نقاط القصور والاعتراف بها مهم جداً في أي عملية تطوير وهي البداية الطبيعية لذلك، ولكن متى يتحول النقد الذاتي إلى نقد لمجرد النقد؟.
في كل المجتمعات هناك ممارسات قابلة للنقد يختلف حولها أبناء المجتمع، هذه الممارسات قد تكون على شكل عادات وتقاليد أو ثقافة شائعة أو قيم مجتمعية، كل ذلك معرض للنقد من داخل المجتمع أو خارجه، والنقاش حول ذلك هو ظاهرة صحية، ففي كل فترة ومع تطور العالم من حولنا نحتاج إلى نظرة صادقة إلى ذاتنا المجتمعية بحيث نتعرف على ما يحتاج إلى استبدال أو تغيير ولنعيد تقييم الثابت أو الإيجابي الذي يجب الحفاظ عليه، لكن في كل مجتمع هناك من يعاني من متلازمة النقد، فهو يرى كل ما يحدث في مجتمعه سلبياً، إذا استعرضت أمامه إنجازاً يعتبره كارثة، والجميل من الثقافة والموروث عنده قبيح أياً كانت نتائجه، وإذا حصل تقدم في ملف معين يسلط الضوء على القصور في غيره، وحقيقة الأمر أن بعض النقد الذي يطرح صحيح ولكن محله خاطئ، والبعض الآخر خاطئ لأنه ينطلق من نظرة رافضة للقبول بواقع إيجابي، وهذا ينعكس على الجانب السياسي في سياقنا العربي، فهؤلاء لا يقبلون بأي إنجاز دبلوماسي أو سياسي محلي أو حتى عربي، وأي تقدم في مجالات الحريات والحقوق العامة يعتبرونه «مسرحية»، هذا النقد في الحقيقة هدام بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
الخطورة تنبع من أن هذا النقد انهزامي بشكل كبير وبالتالي فإن فلسفة النقد هذه تقبل من الآخر أو المختلف أو الشاذ أي فكرة وربما تبرر الخطأ فيها طالما هي ناقدة إمعاناً في نقد الذات، وينبهر أصحابها بأي فكرة قادمة عبر البحار؛ لأنها مختلفة عن الأفكار التي تنبع من مجتمعهم، وبالتالي يتسم أولئك باستعلاء على من حولهم يقودهم إلى أحضان أفكار سطحية يقدمها الآخر لمجرد أنها تتوافق مع فلسفة النقد لذات النقد، وفي الوقت نفسه فإن تداول النقد بهذا الشكل يشجع على التطرف بأشكاله المختلفة، الجماعات المسلحة لتستخدم هذا النقد الشامل لتبرير تكفيرها للمجتمع ومحاربتها للأنظمة، فكل ما تقوم به هذه الأنظمة يفسر بشكل سلبي وينسحب ذلك حتى على المصلحين في هذه المجتمعات فحتى لو قاموا بأدوار إيجابية ترفض في إطار قبولهم بالأنظمة وهكذا، وعلى الصعيد الآخر التطرف الليبرالي التغريبي يرفض أن يقبل بأي مميزات إيجابية لمجتمعاتنا وثقافتنا ويرفضها كلها باعتبارها صوراً من التخلف الذي يجب محاربته، ومن هذا المنطلق فإن التقدم السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي ما هو إلا إعادة إنتاج لهذا التخلف، وكل من يدافع عن قيم المجتمع هو من أنصار التخلف الذين يرفضون اللحاق بركب الحضارة، وكلّ أشكال التطرف تنخر في المجتمع بروح النقد المتجاوز للحقيقة.
حالة النقد هذه هي حالة سخط شاملة قد يكون لها مبرراتها، فلو نظرنا مثلاً لصعود اليمين المتطرف في السياقات الغربية خلال العام الأخير لوجدنا أن من أهم الأسباب التي أدت إليه هو انتشار حالة السخط في قطاعات مهمة من الناخبين ففي الولايات المتحدة كان سخط المحافظين على فرض الأجندة الليبرالية بشكل فجّ، وسخط الناخبين البيض من العمال على تأثر قطاعاتهم بسياسات التجارة الحرة، وفي أوروبا كان السخط الناجم عن فشل الأحزاب السياسية في مواجهة الأزمات الاقتصادية المتتالية، ونتيجة ذلك كانت قبولاً بطرح سياسي متطرف لمجرد أنه يمثل «الآخر»، وعندما تنتشر حالة السخط هذه يصبح التلويح بمعول الهدم أداة جذب فعالة للجماهير الساخطة.
النقد لا بد منه، ولا بد من القبول به، فإسكات الأصوات الناقدة هو أول خطوة في صناعة المجتمع الساخط، ولكنه بحاجة إلى تقنين، هذا التقنين لا يكون من خلال القبول بما «نحب» منه فقط ولكن من خلال وعي اجتماعي يواجه النقد بموضوعية وتجرد، الانجراف وراء النقد لذات النقد لمجرد التنفيس عن السخط الذي نشعر به لن ينتج عنه إلا مزيد من السخط وحجب لأي فرصة لتغيير الواقع، النقد يجب أن ينبع من نية صادقة لمستقبل أفضل لا من شهوة دفينة للهدم والانتقام، النقد يجب أن يبني على المكتسبات لا أن يحاربها، ويجب أن يقدم حلولاً لا أن ينسفها، نحن بحاجة إلى أن نتصالح مع ذواتنا أولاً وندرك ما لدينا قبل أن نبحث عما علينا.;