أحدث الأخبار
  • 09:21 . الاتحاد العالمي لمتضرري الإمارات... المزيد
  • 06:52 . السعودية تنفذ حكم القتل لمدان يمني متهم بقتل قائد التحالف بحضرموت... المزيد
  • 06:51 . بين توحيد الرسالة وتشديد الرقابة.. كيف ينعكس إنشاء الهيئة الوطنية للإعلام على حرية الصحافة في الإمارات؟... المزيد
  • 06:41 . أمير قطر: كأس العرب جسّدت قيم الأخوّة والاحترام بين العرب... المزيد
  • 11:33 . "رويترز": اجتماع رفيع في باريس لبحث نزع سلاح "حزب الله"... المزيد
  • 11:32 . ترامب يلغي رسميا عقوبات "قيصر" على سوريا... المزيد
  • 11:32 . بعد تغيير موعد صلاة الجمعة.. تعديل دوام المدارس الخاصة في دبي... المزيد
  • 11:31 . "فيفا" يقر اقتسام الميدالية البرونزية في كأس العرب 2025 بين منتخبنا الوطني والسعودية... المزيد
  • 11:29 . اعتماد العمل عن بُعد لموظفي حكومة دبي الجمعة بسبب الأحوال الجوية... المزيد
  • 08:14 . قانون اتحادي بإنشاء هيئة إعلامية جديدة تحل محل ثلاث مؤسسات بينها "مجلس الإمارات للإعلام"... المزيد
  • 12:50 . "قيصر" عن إلغاء العقوبات الأمريكية: سيُحدث تحوّلا ملموسا بوضع سوريا... المزيد
  • 12:49 . الجيش الأمريكي: مقتل أربعة أشخاص في ضربة عسكرية لقارب تهريب... المزيد
  • 12:47 . أمطار ورياح قوية حتى الغد… "الأرصاد" يحذّر من الغبار وتدني الرؤية ويدعو للحذر على الطرق... المزيد
  • 11:53 . "الموارد البشرية" تدعو إلى توخي الحيطة في مواقع العمل بسبب الأحوال الجوية... المزيد
  • 11:52 . 31 ديسمبر تاريخ رسمي لاحتساب القبول بـرياض الأطفال والصف الأول... المزيد
  • 11:50 . حزب الإصلاح اليمني: الإمارات لديها تحسّس من “الإسلام السياسي” ولا علاقة لنا بالإخوان... المزيد

نزعة السطحية

الكـاتب : ياسر حارب
تاريخ الخبر: 13-09-2014

قرأ لي أحد الأصدقاء جملة كتبها شيكسبير. كان مندمجاً بها جداً حتى كاد يرتّلها من شدة استمتاعه بقراءتها. تمعنت فيها قليلاً ثم راودني سؤال: ماذا لو قرأ هذه الجملة دون أن يعلم من كتبها، هل كان سيعجب بها إلى هذه الدرجة؟ أجريت هذه التجربة أكثر من مرة: أقرأُ بيتاً من الشعر وأقول لجليسي بأنه لفلان، وأذكر له اسماً غير معروف، فلا يتفاعل معي رغم أن البيت لشاعر عربي كبير.

ولو تمعنا قليلاً لوجدنا أن العرب يحنّون إلى كتابات الأولين، من روائيين ومفكرين وشعراء، أكثر من أعمال المعاصرين، حيث يوصَف المعاصرون بأنهم سطحيون يصعب عليهم الوصول إلى القامات الأدبية أو الفكرية أو الفنية أو الغنائية القديمة. والسؤال هو: هل فعلاً يعاني المعاصرون من السطحية؟

لو نظرنا إلى النزعات الاجتماعية اليوم لوجدنا إشارات كثيرة توحي بأن «المُستهلِك» ينغمس في السطحية أكثر كل يوم. فقديماً كان معدل كلمات الرواية يصل إلى 60 ألف كلمة، بينما يتراوح اليوم بين 20 و40 ألف كلمة (باستثناء روايات الخيال العلمي التي تتجاوز الـ 125 ألف كلمة).

أما المقالات فبعد أن كانت تتجاوز الألفي كلمة قبل عشرين سنة، يصعب على قارئ اليوم أن يقرأ أكثر من 500 كلمة، بل إن أكثر المقالات قراءة هي التي لا تتجاوز الـ 300 كلمة.

أما الحلقات التلفزيونية فبعد أن كانت تمتد إلى ساعة كاملة فإن غالبية المسلسلات العالمية اليوم لا تتجاوز مدة حلقاتها النصف ساعة وبعضها عشرون دقيقة. وما فاجأني بالفعل هو المعدل العالمي لمشاهدة الفيديوهات على يوتيوب، حيث لم يتجاوز الأربع دقائق! ولذلك نجحت الأفكار الجديدة مثل (إنستغرام وكيك وتويتر وسناب شات).

ونتاجاً لظاهرة السطحية الاستهلاكية هذه، انبرى كثير من المثقفين للاستخفاف بكل إنتاج معاصر واصفينه بالتفاهة ومضيعة الوقت. متبنين الفكرة القائلة إن القديم عميق، والجديد سطحي.

تجد ذلك جلياً في نزعة الاستخفاف بالأعمال الأدبية والفكرية المعاصرة والنزعة إلى تمجيد الإنتاجات الأدبية التي تعود إلى خمسين أو ستين عاماً فما قبل. فكثيرون يعتقدون بأنه لا يمكن أن يوجد شاعر معاصر بروعة شوقي أو المتنبي، ولا روائي معاصر بقامة تولستوي وتشارلز ديكنز.

إن نزعة الماضوية (أي الحنين إلى الماضي والاعتقاد بأنه الأفضل) تسحقنا جداً، ليس عند رجال الدين فقط، بل حتى عن المثقفين والفنانين وكثير من العامة ممن يعتقدون أن الإبداع والعمق والجلال والجمال تكمن في الماضي فقط، متناسين أن لكل وقت سياقاته الخاصة التي لا تخلو من عمق ومعنى رغم وجود السطحية والتفاهة في بعض جوانبه. ت

سمع في حديث العربي دائماً عودة للماضي، سواء باستخدامه لأمثال أو أبيات شعر يستدل بها على وجهة نظره، أو بسرده لقصص الماضي التي يقيس عليها ظروفاً معاصرة.

ادخل مجلساً عربياً وسترى أن من يملكون ناصية الحديث هم غالباً (الحكواتيون) الذين يحفظون القصص والأشعار، قد يسلونك قليلاً، لكنهم في الغالب يفصلونك عن معاصرة عصرك.

هؤلاء ليسوا مثقفين، فناقل الثقافة ليس بمثقف، فالثقافة هي الإنتاج الفكري كما يقول إدوارد سعيد، وهي إثارة جلبة فكرية، وطرح تساؤلات كثيرة، وإحداث حراك إنساني في إحدى الفنون أو العلوم.

 حاول أن تتحدث في المجلس نفسه عن التصاميم المعمارية العصرية في مدينة ما، أو عن اختراع علمي جديد، أو عن نظرية إدارية حديثة في تطوير خطوط الإنتاج، أو عن سياق اجتماعي حديث أنتجته وسائل التواصل الاجتماعي، وستبدو مملاً في كلامك، (متفلسفاً) في حديثك، وغالباً غير مرحب بك.

نحن نعيش ماضوية شرسة دون أن نشعر، وقنواتنا الفضائية، بإعادة إنتاجها لصراعاتنا التاريخية وبطولاتنا «الأسطورية»، أكبر دليل على ذلك. هذا لا يعني رفضاً للماضي ولا إنكاراً لأهمية معرفته، ولكنه يعني ألا نعيش فيه ونفكر بأدواته.

لدينا مشكلة في العقل العربي عند استيعاب الحياة ومفاهيمها. مشكلة هذا العقل أنه عقل متصفِّح، يظن أنه يعرف الحقيقة كاملة فتوقف عن البحث عنها، ولهذا فإن شغف المعرفة وآليات البحث ليست من أدبياته. وأعني بالمتصفح أي اللا مبالي بالعمق، واللا مدرك لمعاني الأشياء، واللا متأوّلٍ لفحوى الحقائق.

كان مفترضاً بالإنترنت أن تكون أداة للغوص في العمق وكشف الغطاء عن أسرار المعارف، لكنها عززت قيم السطحية «ومرور الكرام» والاكتفاء بمعرفة العناوين والأفكار العامة للأشياء، والتكاسل عن استيعاب مكنوناتها.

عالمنا يرزح تحت وطأة الجهل، لا يعني ذلك أنه عالَم لا يدري، بل قد يحدثك أحدهم عن ارتفاع معدلات الجريمة في مدينة ما، أو ارتفاع نسب البطالة في اقتصاد ما، لكنه لا يعرف كيف يستخدم هذه الأرقام؛ لأنه غير «مهووس» بإيجاد حلول مبتكرة لمشكلاته.

إن عالمنا يعاني من اللا مبالاة بالمهم والعميق، يجري خلف المغري والطارئ، يظن أن الفهم يعني الدراية، وينسى أن الفهم يعني الشجاعة في النقد، والمثابرة في البحث، والتجرّد من النزعات الادعائية التي توسوس للإنسان بأنه يعرف الحقيقة كاملة.