أحدث الأخبار
  • 05:24 . "علماء المسلمين” يعتبرون إبادة غزة جريمة إنسانية ويطالبون بانتفاضة عاجلة... المزيد

من حماية الأوطان إلى تحرير القرى

الكـاتب : علي عبيد
تاريخ الخبر: 13-10-2014

هل تتذكرون المواطن العربي »عبد الودود التايه« الذي فقد جواز سفره بين جمهوريتي »شرقستان« و»غربستان« عندما كان في جولة حول الوطن؟ إنه بطل فيلم »الحدود« الذي جسد دوره الفنان العربي السوري دريد لحام، واشترك مع الراحل محمد الماغوط في كتابة نصه السينمائي والسيناريو والحوار وقام بإخراجه، وشاركته تمثيل الأدوار فيه مجموعة من النجوم السوريين، منهم رغدة ورشيد عساف وهاني الروماني، وتم إنتاجه عام 1982.

يسخر الفيلم من ادعاء الوحدة العربية وقتها، وتتجسد هذه السخرية في معاناة عبد الودود الذي يقرر القيام بجولة حول الوطن، يستكشف خلالها أرجاءه، في سيارة رسم عليها خارطة للوطن، ولكن يحدث أن يضيع جواز سفره أثناء مروره في المنطقة الواقعة بين »شرقستان« و»غربستان«، فيعلق بينهما، حيث لا يستطيع العودة إلى »شرقستان« التي جاء منها، ولا دخول »غربستان« التي كان ذاهبا إليها، رغم محاولاته المستميتة مع ضباط مركزي الحدود من الجانبين، الأمر الذي يضطر معه إلى إقامة مخيم على خط الحدود الدولية الفاصل بين الجمهوريتين، وعندما يسأله أحد الضباط لمن يقيم المخيم، يجيبه: »للجيل الصاعد، كي يتمتع بشمس الرب«.

فيعود الضابط يسأل: ولماذا تقيم نصفه في أرضنا ونصفه الآخر في أرضهم؟ فيجيبه: كي أهرب إليهم عندما تتعرضون لي، وأهرب إليكم عندما يتعرضون هم لي؟ »وإذا تعرضنا لك معًا؟« يسأل الضابط، فيرد عبد الودود: »بعمركم ما اتفقتوا«!

هكذا يمضي عبد الودود التايه في بث رسائل عدة عن الوطن الذي يدعي الجميع أنه واحد، وعن الشك الذي تتعامل به أجهزة الأمن مع المواطن، وعن القوانين التي تطبق بنصوصها لا روحها، لينتهي الفيلم بمهرجان خطابي يقام بعد إثارة قضية عبد الودود في وسائل الإعلام، يتحدث فيه مندوبو الجمهوريات كلهم، معبرين عن رفضهم لهذه الحدود المصطنعة، وتعاطفهم مع عبد الودود، ولكن ما أن ينفض المهرجان ويتوجه عبد الودود للعبور إلى »غربستان« معتقدا أن مشكلته قد حُلت، حتى يمنعه ضابط المركز من العبور، طالبا منه إبراز جواز سفره، رغم أنه كان حاضرا المهرجان الخطابي قبل قليل، كما يؤكد الضابط نفسه، الأمر الذي يضطر عبد الودود إلى إطلاق أغنامه ودجاجاته التي رباها أثناء إقامته في المخيم كي تعبر الحاجز، والانطلاق خلفها، غير آبه بالجنود الذين أفقدتهم المفاجأة القدرة على التصرف، وتجمدت الصورة وهم يوجهون أسلحتهم إليه من الخلف.

كل من شاهد الفيلم في تلك الفترة تصور أنه يقدم صورة فانتازية لوضع العالم العربي وقتها، لكن من يشاهده الآن ويتأمل أوضاع العالم العربي بعد أكثر من ثلاثة عقود على إنتاج الفيلم، يدرك أن أوضاعه اليوم أكثر فانتازية من الصورة التي رسمها فيلم »الحدود«، بكل المبالغات التي يمكن أن تكون فيه، فعبارة »وطن واحد.. ما بدها جواز« التي قالها عبد الودود لمهربة البضائع »صدفة« التي غدت زوجته فيما بعد، أصبحت حقيقة، ليس لأن الوحدة تحققت بين الدول العربية، وإنما لأن حدود الدول العربية تمزقت ولم يعد لها احترام بفعل الحروب الأهلية التي تدور على أراضيها، وانتشرت على الحدود الميليشيات المسلحة التي تقتل على الهوية، تسمح لمن تشاء بالعبور، وتمنع من تشاء من العبور، وتقطع رقاب من تشاء باسم رب غفور.

تُرى ما الذي سيحدث لو أن »عبد الودود التايه« قرر أن يعيد تمثيل رحلته تلك هذه الأيام؟ هل تراه سيقابل أولئك الجنود الذين تعاطفوا معه، وتحولوا إلى أصدقاء له عندما أقام مخيمه عند نقطة الحدود الدولية، وأصبحوا من زبائن المقهى الذي أقامه مع زوجته صدفة؟

لا شك أنه سيفتقدهم كثيرا، فما عاد لأولئك الجنود المغلوبين على أمرهم وجود هذه الأيام على الحدود، لأنه لم تعد هناك حدود آمنة يمكن أن يحرسها جندي وهو واضع سلاحه إلى جانبه، فقوافل الإرهابيين والانتحاريين التي تجوب أراضي العرب أصبحت تهدد مراكز الحدود، إن وُجِدت، وتخترقها لتهاجم مراكز الشرطة في كل مكان، وتفجر أماكن العبادة من كل الأديان، وتغتال الكبار والصغار من كل الأعمار، وتسوق النساء سبايا لتبيعهم في أسواق النخاسة التي عادت من جديد بعد أن طواها النسيان.

لقد تفاقمت أزمات الأمة العربية خلال العقود الثلاثة التي تلت أزمة عبد الودود، وتراجعت الأحلام من تحقيق الوحدة العربية التي خرج عبد الودود للتأكد من اكتمال عناصرها، إلى الخوف على وحدة كل بلد عربي على حدة، وبعد أن كانت معركة العرب الكبرى هي حماية الوطن كله، أصبحت أكبر معركة يخوضونها اليوم من أجل تحرير بلدة صغيرة من سيطرة تنظيم إرهابي مسلح عليها، أو جماعة تحلم بالخلافة الإسلامية وتتاجر بهذا الحلم. وما معركة عين العرب »كوباني« إلا نموذج من هذه المعارك والحروب، التي نخوضها للحفاظ على مواقع أقدام لنا داخل الأوطان.

ما عادت أزمة »عبد الودود التايه« تكفي لتجسيد المأساة التي نعيشها اليوم، فالحدود التي كان عبد الودود يحاول إزالتها أصبحت رمزا من رموز زمن جميل يشدنا إليه الحنين ونتمنى عودته، لأن الحاضر الذي نعيشه أسوأ منه بكثير، والقادم الذي ننتظره لا يبشر بخير، والعابثون بالأوطان اليوم شر مستطير.

هل كان عبد الودود يتصور أن الحدود التي علق عندها سوف تصبح حلما يداعبنا بعد أن غدت أوطاننا التي كانت منقسمة على نفسها ممزقة؟ سؤال نترك إجابته لعبد الودود التايه، هذا إذا لم تكن »داعش« وأخواتها قد قطعت رأسه ونشرت الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، كي تتباهى بانتصارها على فرد أعزل.