ثمة مناسبات تفرض نفسها على الكتّاب والقراء، ومنها المناسبة التي تحتفل بها دولة الإمارات العربية اليوم، وهي مناسبة «يوم العلَم» التي دعا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، إلى الاحتفاء بها، ورفع علم الدولة على الدوائر والمؤسسات والمنازل.
مشدداً على أهمية غرسه في قلوب أجيالنا، لأنه رمز وحدتنا واتحاد قلوبنا، ومصدر فخرنا، ورمز احترام دولتنا، قائلاً «إننا سنرفع العلم جميعاً بشكل موحد.. لنرسل رسالة واحدة مفادها أننا لسنا إمارات، بل نحن دولة الإمارات».
تكتسب مناسبة «يوم العلَم» أهميتها من كونها تتزامن مع اليوم الذي انتُخب فيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة، خلفاً للمرحوم بإذن الله تعالى، مؤسس هذه الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
وهي مناسبة لها مكانتها ورمزيتها في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تستمد قوتها من اللحمة الوثيقة بين القيادة والشعب، هذه اللحمة التي يحتل العلم فيها مكانة رفيعة، باعتباره رمزاً من رموز الوحدة، ومصدراً من مصادر الفخر والعزة والاحترام، لذلك كان الارتباط بين العلَم والقيادة وثيقاً، إلى درجة أنه يصعب الفصل بينهما، لأن شموخ العلم من شموخ الدولة التي يلتف أبناؤها حول قيادتها وعلَمها.
ويبذلون أرواحهم رخيصة من أجلهما، وقد ظهر هذا جلياً في أكثر من مناسبة، منها على سبيل المثال لا الحصر، عندما دعت الدولة أبناءها إلى التطوع إبان أزمة احتلال الكويت عام 1990، وظهر مرة أخرى عندما دعتهم إلى تأدية الخدمة الوطنية هذا العام.
من حسن حظ أبناء هذا الجيل أنهم وُلِدوا في حضن دولة الاتحاد، تحت علم الاتحاد، داخل حدود الاتحاد، فلم يعرفوا تلك الحدود المصطنعة بين الإمارات التي كانت تسمى بالمتصالحة، ولم يشاهدوا تلك الأعلام المتفرقة التي كانت ترتفع على تلك الحدود وفوق الدوائر المحلية، قبل أن يأتي يوم الثاني من ديسمبر عام 1971 ليلغي تلك الأعلام..
ويُحِلّ مكانها علماً واحداً، يكتسب أهميته من رمزيته التي تختلف عن رمزية كل الأعلام، لكونه ألغى سبعة أعلام مختلفة، ووحدها في علم واحد أصبح له احترامه، ليس لدى أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة فقط، وإنما لدى جميع الأشقاء والأصدقاء، وفي كل المحافل العربية والدولية التي لم تكن تعرف لأبناء الإمارات علماً قبل ذلك اليوم الذي شكل علامة فارقة في تاريخ هذه الأرض وحياة أهلها.
لهذا فحين يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إننا لسنا إمارات، ولكن نحن دولة الإمارات، فهو يلخص مسيرة ثلاثة وأربعين عاماً من عمر هذه الأرض في جملة واحدة، لها من الدلالات والمعاني ما يختصر الكثير من الكلام الذي يمكن أن يقال عن قصة المجد التي صنعها أبناء هذه الأرض في الماضي، والتي يصنعونها في الحاضر، والتي يؤسسون لها من أجل مستقبل أبهى وأجمل. وهي قصة تستحق أن تُروى عنها حكايات وحكايات..
وأن تُكتَب لها مجلدات ومجلدات، لأنها قصة واقعية ليس للتزيّد والخيال فيها مكان، برغم أنها كانت قبل ثلاثة وأربعين عاماً حلماً يتطلع الإماراتيون إلى تحقيقه، ولأنه حلم عظيم، فقد تصدى لتحقيقه رجال عظماء، هم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وإخوانهما شيوخ الإمارات مؤسسو دولة الإمارات العربية المتحدة، طيب الله ثراهم جميعاً.
وهو حلم تطلّب تحقيقه إنزال سبعة أعلام مختلفة من على صواريها، كان كل علم منها يمثل كياناً منفرداً، ليرتفع مكانها على صارية واحدة علم واحد، يرمز إلى كيان كبير هو دولة الإمارات العربية المتحدة التي وُلِدت في مرحلة تضاءلت فيها الأحلام وتحطمت على صخرة تجارب وحدوية كبرى، أُجهِضت في زمن قياسي، بعد أن كانت تمثل أملاً لأمة تتطلع إلى وطن كبير، تضمه وحدة كبرى، كتب لها الشعراء القصائد، وغنى لها نجوم الطرب في العالم العربي الأناشيد، وجُمعت من أجلها النذور في المساجد والكنائس على امتداد الوطن العربي الكبير.
وعندما تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بـ«يوم العلَم»، فإنها لا تحتفل بمناسبة وطنية فقط، وإنما تقوم ببث رسائل إلى كل أبناء الأمة العربية، في زمن عربي متشح بالسواد؛ رسائل تقول لهم إن السبيل الوحيد لاستعادة مجد الأمة وأمنها واستقرارها ووحدة صفها، هو التوحد تحت راية واحدة..
وإن الرايات المتفرقة لن تصنع للأمة مجداً، ولن تعيد إليها تاريخاً يحاول أصحاب الرايات السوداء أن يوهمونا ويوهموا العالم بأنه عائد بقطع الرقاب وسفك الدماء، وفتح أسواق النخاسة من جديد، بعد أن طوى الزمن تلك الصفحات المظلمة..
ومحاها من تاريخ الأمة الناصع البياض، ولن يعود إلى فتحها مرة أخرى، مهما حاول الظلاميون إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء. في «يوم العلم» تتشابك أيادي أبناء دولة الإمارات، وتتوحد قلوبهم تحت علمهم ذي الألوان المعبرة، لتقول للعالم أجمع إن إرادة الحياة أقوى بكثير من إرادة الموت، وإن صناعة المستقبل أجدى من اجترار الماضي ومحاولة استعادته..
وإن اليد التي تبني أعلى من اليد التي تهدم، وإن عمارة الأرض والأوطان هي المهمة التي خلق الله من أجلها الإنسان. وقد أدرك قادة دولة الإمارات وأبناؤها هذه الحقيقة، فمضوا يعمرون وطنهم، تحت علم واحد، هو اليوم رمز وحدتهم، ومصدر فخرهم وعزتهم.