واصلت أبوظبي تعزيز حضورها في اليمن منذ 2015، عبر سلسلة تحركات استراتيجية شملت الجزر والموانئ والمنافذ الحيوية والمشاريع الاقتصادية والبنى التحتية العسكرية، ما منحها قدرة واسعة على التحكم بالموارد المحلية والإشراف على الممرات البحرية الحيوية.
في أحدث التحركات، أفاد موقع "قناة المهرية" اليمنية، أن ضباطاً إماراتيون، بينهم محمد الغانم وسعيد الكعبي، افتتحوا الخميس مبنى باسم "التمكين" في محافظة سقطرى اليمنية، تُدار أنشطته عبر شركة المثلث الشرقي الإماراتية بإشراف المحافظ الموالي للمجلس الانتقالي الانفصالي، رأفت الثقلي.
ويضم المبنى فروع المكاتب الإيرادية وبنكًا خاصًا يديره الكعبي، لإجبار موظفي المحافظة على فتح حسابات فيه، ما يتيح لأبوظبي التحكم بالإيرادات المحلية والتحويلات المالية، بحسب الموقع.
جزر يمنية تحت نفوذ أبوظبي
على صعيد آخر، رصدت صور الأقمار الصناعية أعمال بناء مدرج طيران جديد في جزيرة زقر، ضمن سلسلة مشاريع عسكرية تشمل جزيرتي ميون وحنيش، ومدارج وبنى تحتية لوجستية أخرى في سواحل البحر الأحمر والخليج العربي، وذلك في إطار لتعزيز القدرة على مراقبة الملاحة الدولية والسيطرة على الممرات الاستراتيجية مثل مضيق باب المندب.
لكن هذا الوجود ليس معزولاً، بحسب تقرير آخر للقناة اليمنية، بل يأتي امتدادًا لسلسلة من التحركات الإماراتية المتواصلة منذ عام 2015، حين بدأت أبوظبي تعزيز وجودها العسكري في المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن تحت مظلة عملية "عاصفة الحزم" التي قادتها السعودية.
ومنذ ذلك الوقت، عملت أبوظبي، وفق التقرير، على بناء شبكات نفوذ محلية من خلال دعم شخصيات انفصالية وتشكيل قوى عسكرية خارج اطار الدولة اليمنية, الذي مثّل غطاءً سياسياً لتوسعها في الجزر والموانئ اليمنية.
في أبريل 2018، وصلت القوات الإماراتية إلى جزيرة سقطرى وسيطرت ميدانيًا على المطار والميناء وعدد من المنشآت الحكومية، ورفعت علمها فوق مبانٍ رسمية، ما تسبب في توتر مع الحكومة اليمنية. ورغم التوصل إلى اتفاق بوساطة سعودية في مايو من العام ذاته، استمر الوجود الإماراتي الفعلي في الجزيرة. ومنذ ذلك الحين، تحولت سقطرى إلى مركز لوجستي ضمن حلقة قواعد تمتد عبر البحر الأحمر وخليج عدن، تشمل ميون (بريم)، وعبد الكوري، وسمحة، وصولًا إلى زقر.
بين عامي 2023 و2025، رصدت صور الأقمار الصناعية نشاطًا مكثفًا في أرخبيل سقطرى، تضمن بناء مدارج ومرافق دعم لوجستية ومبانٍ جديدة، بعضها يحمل شعارات رمزية مثل عبارة “I LOVE UAE” التي ظهرت في جزيرة عبد الكوري قرب أحد المشاريع. وتؤكد هذه المشاهد، بحسب خبراء عسكريين، على مشروع جيوعسكري متكامل يمنح أبوظبي قدرة على مراقبة الممرات البحرية والتحكم في نقاط الاتصال بين البحر الأحمر والمحيط الهندي.
وفي جزيرة ميون، الواقعة في قلب مضيق باب المندب، بدأت أبوظبي منذ عام 2016 إنشاء مدرج طيران بطول ثلاثة كيلومترات، وتواصلت الأعمال عليه بوتيرة متقطعة حتى عام 2024. ويُعتقد أن الهدف من هذه المنشأة هو تمكين الرقابة الجوية على المضيق والملاحة الدولية، وهو ما يعزز نفوذ أبوظبي في أحد أهم المعابر البحرية العالمية التي تمر عبرها نحو 5% من التجارة العالمية.
تقويض سيادة الدولة اليمنية
وتشير تقارير يمنية إلى أن أبوظبي تعتمد سياسة "الوكلاء المحليين" لتعزيز نفوذها، من خلال دعم شخصيات انفصالية وتشكيل قوى مسلحة محلية خارج إطار الدولة اليمنية، مما يسمح لها بالسيطرة على الموارد والموانئ والمواقع الحيوية دون وجود عسكري مباشر.
وبينما تصمت الحكومة اليمنية وأطراف التحالف، يرى المتابعون أن هذه التحركات تشكل تغييرًا استراتيجيًا في الجغرافيا اليمنية لصالح النفوذ الإقليمي والخارجي.
ويحذر الباحثون من أن استمرار السيطرة الإماراتية على هذه المواقع سيؤدي إلى تقويض سيادة الدولة اليمنية، وإضعاف مؤسساتها، وتفكيك الوحدة الوطنية، مؤكدين أن استعادة الدولة اليمنية الموحدة وإدارة مواردها وممراتها البحرية بشكل مستقل هو السبيل الوحيد لضمان أمن اليمن والمنطقة.