في خطوة جديدة تعكس إصرار أبوظبي على تعزيز قدراتها العسكرية والأمنية، أعلنت مجموعة "ليوناردو" الإيطالية للدفاع، مؤخراً، عن اتفاق لإطلاق مشروع مشترك العام المقبل مع تكتل "إيدج" (EDGE) الحكومي، الذراع الرئيسي لتصنيع السلاح في أبوظبي.
ورغم التكتم الحالي على التفاصيل الدقيقة للقطاعات التي سيغطيها هذا الكيان الجديد، الذي سيتخذ من أبوظبي مقراً له، إلا أن الاتفاقية تمنح مجموعة "إيدج" حصة السيطرة بنسبة 51 بالمئة، مقابل 49 بالمئة للمجموعة الإيطالية، ما يشير إلى ضخ المزيد من الأموال السيادية في مشاريع التصنيع العسكري.
وأقر البيان الصادر عن المجموعة الإيطالية بأن المشروع سيغطي نطاقاً واسعاً من التقنيات الحساسة، بما في ذلك "أجهزة الاستشعار، وتكامل الأنظمة، والمنصات المتعددة"، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة الاستخدامات المستقبلية لهذه التقنيات.
وتُعرف "ليوناردو"، التي تمتلك الحكومة الإيطالية حصة مؤثرة فيها (30.2%)، بكونها مورداً رئيسياً للمروحيات والأنظمة الإلكترونية، فضلاً عن تخصصها الدقيق في مجالات "الأمن السيبراني" ومنتجات المراقبة والفضاء، وهي مجالات طالما أثارت جدلاً حقوقياً واسعاً بشأن استخدامها في المنطقة.
وفي تصريحات تكشف عن طموحات أبوظبي لتوسيع نفوذها العسكري خارج الحدود، قال حمد المرر، الرئيس التنفيذي لمجموعة "إيدج"، إن التعاون سيشمل مجالات حيوية كالأنظمة الجوية والبرية والبحرية، بهدف "تصميم حلول... عبر الإمارات إلى أسواق جديدة غير مستغلة"، في إشارة واضحة إلى رغبة الدولة في لعب دور أكبر كمصدر للسلاح والتقنيات الأمنية في المنطقة.
يُذكر أن الجانبين كانا قد مهدا لهذا التعاون بمذكرة تفاهم في يونيو الماضي، واختارا "معرض دبي للطيران" - المنصة التي تستعرض فيها الدولة قوتها العسكرية - للإعلان عن هذه الخطوة.
من جانبه، صرح كارلو غوالداروني، المدير العام المشارك، لوكالة الأنباء الإيطالية (أنسا)، بأن "ليوناردو" تسعى، بعد خمسة عقود من النشاط التجاري في الإمارات، إلى تحويل وجودها إلى "وجود صناعي"، مما يرسخ أقدام المجمعات الصناعية العسكرية الغربية داخل البنية التحتية للدولة.
ومنذ تأسيسها في نوفمبر 2019، لم تكن مجموعة "إيدج" (EDGE) مجرد شركة دفاعية اعتيادية، بل جاءت لتجسد التحول الجذري في عقيدة الدولة من القوة الناعمة والاقتصادية إلى "عسكرة" شاملة للسياسات والموارد. هذا التكتل الضخم، الذي ابتلع في جوفه أكثر من 25 شركة وكياناً عسكرياً سابقاً، بات يمثل اليوم رأس الحربة في طموحات أبوظبي للتحول إلى قوة عسكرية إقليمية، ولو كان ذلك على حساب الميزانية العامة وإدخال الدولة في سباقات تسلح غير واضحة النتائج.
وتُظهر صفقات الاستحواذ المتتالية التي تبرمها "إيدج" توجهاً واضحاً نحو تحويل فوائض العوائد النفطية وصناديق الثروة السيادية إلى قنوات التصنيع العسكري. ورغم غياب الشفافية الكاملة حول حجم الميزانيات المرصودة للمجموعة، فإن تصنيفها السريع ضمن أكبر 25 شركة دفاعية في العالم - وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام - يكشف عن حجم الضخ المالي الهائل الذي تتلقاه من خزانة الدولة، في وقت تتزايد فيه الأعباء المعيشية والرسوم الحكومية على المواطنين والمقيمين.