انفضت اجتماعات مجالس الاجندة العالمية والتي استضافتها مدينة دبي في الفترة ما بين 9-11 نوفمبر 2014، وأصبح ما وضعته على طاولة النقاش من تحديات تواجه العالم أجمع كالفقر والبطالة والارهاب وجودة التعليم والتلوث وشح المياه وغيرها من المشاكل، وما توصلت له من حلول متروكا لدول العالم لاتخاذ ما تراه مناسبا لخصوصيتها واوضاعها.
وإذا ما تمعنا في هذه التحديات سوف نجد أن معظمها متداخل وكل يؤثر على الاخر ولكن أكثر ما يلفت النظر هو التأثير الكبير لعنصر أو عنصرين حتى ليخالهما البعض انهما المسبب لبقية المشاكل.
فالفقر وتردي نوعية التعليم هما المولد الاكبر للعديد من المشاكل، فبينما يؤدي الفقر الى تردي الخدمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية يؤدي انخفاض جودة التعليم الى البطالة والى انخفاض الوعي بالحقوق والواجبات المدنية والتي تذبذب الولاء للمؤسسة الحاكمة وتعاظم دور المؤسسات الدينية. فحسنا فعلت دولة الإمارات في ختام اجتماعات مجالس الاجندة عندما خصصت جائزة لمن يقدم ابتكارات تساهم في إيجاد حلول لبعض القضايا التي تواجه العالم. فالإمارات دوما على تواصل مع محيطها الاقليمي والعالمي.
الفقر يؤدي بالتأكيد الى انخفاض مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن كما يؤدي الى تردي المستوى المعيشي للناس. فمع الفقر تولد وتترعرع العديد من المشاكل المجتمعية كالجريمة والفساد والمحسوبية وتظهر في المجتمع طبقات اجتماعية مشتقة من الواقع الاقتصادي. وتكون الطبقة العليا، وهي اقلية، هي الغنية وتسيطر على معظم الموارد الاقتصادية، بينما الطبقة المتوسطة والدنيا وهي الغالبية هي الطبقة الفقيرة. كما يؤدي الفقر الى ظهور ممارسات ضارة ينتج عنها مضاعفات اجتماعية ومن ثم سياسية.
التعليم الذي يقدم للناشئة احتل مساحة كبيرة وحيزا مهما من اجتماعات الاجندة العالمية. فقضايا عصرنا من بطالة وارهاب وفقر وحتى بعض القضايا الاخرى مثل تلوث البيئة وغيرها لها علاقة بالوعي الذي يلعب التعليم دورا مهما في تشكيله. وتدرك معظم مجتمعات العالم بأن للتعليم الجيد دورا مهما في تطور المجتمع ووصوله الى مراتب افضل. لذا عمدت الكثير من الدول إلى الاهتمام ليس فقط بنوعية التعليم ولكن بتنوع مناهجه ومواكبة مخرجاته لمتطلبات سوق العمل حتى يمكن تدارك تلك الفجوة الواسعة التي تنشأ أحيانا نتيجة عدم مطابقة المناهج لمتطلبات سوق العمل.
وعلى الرغم من انه يمكن القول بأن دول الخليج هي افضل حالا من الكثير من دول منطقة الشرق الاوسط الا أنها ايضا جزء من العالم يصيبها ما يصيبه من مشاكل وقضايا، الا أن بعض تلك المشاكل تبدو وكأنها مستوردة. فحداثة تشكيل دول الخليج والثروة البترولية التي جعلت من هذه الدول جاذبة لملايين العمالة سنويا تجعل من تلك المشاكل العالمية تحديات يمكن التغلب عليها. فعلى الرغم من أنه لا يمكن أن ننكر وجود ظاهرة الفقر الا أن الفقر في دول الخليج يختلف مثلا عن الفقر في أفريقيا أو بعض من الدول الآسيوية، كما أن الوفرة المادية تسهل في الكثير من الاحيان إيجاد الحلول لبعض المشاكل.
قضية واحدة تظل تراوح مكانها الا وهي قضية التعليم، فمنذ فترة طويلة ودول الخليج تعاني من جراء عدم ملاءمة المناهج الدراسية لطبيعة سوق العمل وبالتالي ظهور ظواهر مقلقة كالتطرف والبطالة وتبني البعض للفكر الاصولي المتطرف والذي لا يمت بصلة الى الظروف الجديدة التي انبعثت في المنطقة. لذا فكما ينتظر العالم حلولا جذرية لبعض المشاكل ينظر الخليج ايضا الى حلول تجعله يقف مع العالم في خطوات متوازية.
الحلول النظرية كثيرة ولكن العالم ينتظر حلولا اجرائية قابلة للتطبيق. التعليم يكتسب أولوية لأنه متعلق بالناشئة والاجيال القادمة وثورة المعلومات وهو ايضا متعلق بسوق العمل والتقلبات التي يجب التنبؤ بها أو استقراؤها. إذا تطوير المناهج التعليمية والبيئة المدرسية وتدريب المعلمين قبل المتعلمين هي قضايا اساسية لضمان جودة التعليم. من ناحية أخرى فالتدريب المهني وتوفير فرص عمل كافية ومناسبة ومتنوعة هي قضية أخرى للقضاء على الفقر والبطالة بالتالي قضايا أخرى مرتبطة بهما.
دول الخليج على الرغم من خصوصيتها الا أنها مؤثر مهم على سياسات العالم وهي بلا شك مؤثر مهم على حركة المال والاعمال في العالم، ولكنها يجب ألا تكون في الوقت نفسه مؤشرا على تنامي حركة التطرف في العالم.
ولكي يصبح الخليج مركزا للوسطية ومركزا للتنوير كما تود تلك الدول أن تكون عليها بالاهتمام بنوعية التعليم وتكثيف الجهود للتخلص من تلك القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي الى البطالة وتنامي الفكر الاصولي المتطرف. فقدر دول الخليج دوما أن تكون جزءا من العالم المحيط بها وفي صميم السياسيات التي يرسمها العالم لدوله.