أحدث الأخبار
  • 11:01 . "التربية" تفتح باب مراجعة الدرجات لطلبة الثاني عشر وتعلن مواعيد نتائج باقي الصفوف... المزيد
  • 10:45 . الرياض وواشنطن تبحثان تعزيز الشراكة الدفاعية وسط توترات إقليمية... المزيد
  • 10:17 . "أكسيوس": واشنطن تبحث اتفاقاً أمنياً محتملاً بين سوريا و"إسرائيل"... المزيد
  • 10:16 . الصحة العالمية: الموت جوعا في غزة يجب أن يتوقف... المزيد
  • 10:10 . مجموعة السبع تدعو إلى استئناف المحادثات بشأن برنامج طهران النووي... المزيد
  • 10:07 . الأغذية العالمي: الجوع يهدد أربعة ملايين لاجئ سوداني في دول الجوار... المزيد
  • 09:52 . خفايا توسّع أبوظبي في أفريقيا.. كيف تحول النفوذ الاقتصادي لأطماع جيوسياسية؟!... المزيد
  • 01:42 . ترامب يقرر إنهاء العقوبات على سوريا... المزيد
  • 08:56 . كم ارتفع عدد سكان أبوظبي خلال العام الماضي؟... المزيد
  • 07:25 . هيومن رايتس ووتش: أحكام أبوظبي الأخيرة في قضية "الإمارات 84" تؤكد ازدراءها للقانون... المزيد
  • 06:39 . إيران.. ارتفاع قتلى الهجمات الإسرائيلية إلى 935... المزيد
  • 11:36 . إثر التوترات الأخيرة.. كيف تغيرت أسعار الوقود في الإمارات لشهر يوليو؟... المزيد
  • 11:22 . الرئيس الإيراني يؤكد الاستعداد لفتح صفحة جديدة مع الخليجيين... المزيد
  • 09:51 . واشنطن بوست: اتصالات إيرانية جرى اعتراضها تقلل من تأثير الضربات الأمريكية... المزيد
  • 12:32 . الاحتلال الإسرائيلي يدرس مستقبل حرب غزة والجيش يوصي بإبرام صفقة... المزيد
  • 08:41 . السلطات السعودية تفرج عن دُعاة بعد سنوات من الاعتقال... المزيد

الفيلسوف الجاهل

الكـاتب : ماجد محمد الأنصاري
تاريخ الخبر: 19-05-2015

هل جلست يوماً مع شخص يتكلم في كل مجال ويزاحم في أي تخصص، أي موضوع يطرح سيكون فيه خبيراً، أي مشكلة تظهر سينبري لحلها، لا شك أننا جميعاً نجد في حياتنا مثل هذا الشخص، بل ربما في داخل كل منا يختبئ هذا الشخص، يرفض أن يتقبل جهله أو أن يعرف حجمه، يكفيه كلمتان تقال له أو يقرأهما في جريدة لتجعله خبيراً ينطلق مبشراً بأفكار جديدة وحلول عظيمة لكل معضلة أتعبت البشرية، وأعود لأقول كل واحد منا يجد في نفسه شيئاً من هذا، من منا يحب الاعتراف بجهله وقصوره، من منا لا يحب أن يسمع الآخرون له في كل موضوع ويتبع الناس طريقه في كل مجال؟ لكن هناك من يحول هذه الشهوة الخفية إلى ممارسة معلنة، وهنا المشكلة.
هذا الشخص لا يهمه أن يكون متخصصاً، وإن كان يحدثك ليل نهار عن أهمية التخصص، ولا يهمه أن يكون ملماً بالموضوع الذي يتحدث فيه، ولو أمضى ساعات وهو يكلمك عن أهمية جمع المعلومات قبل الحكم على الشيء، لماذا؟ لأنه تجاوز مرحلة تقييم ذاته، فهو يعتقد أنه الأفضل، ولا مجال لمناقشة ذلك، ويعتقد أن عقله قادر على ما عجز عنه الآخرون، وكيف لا وهو من هو، ولكن كيف تنشأ وتتطور هذه الحالة؟ ربما يبدأ الأمر بنبوغ على مستوى الأقران، ويستشعر هو حالة النبوغ هذه من خلال ثناء من حوله وقدرته على إقناع الآخرين وإبهارهم، وربما تكون قدرات التفكير والتعبير العالية التي تجعل الشخص قادراً على أن يتكلم في أي موضوع ويبدو فاهماً له، وربما يكون نتيجة ثرائه أو منصبه الذي يجعل الناس ينافقونه في كل ما يقول، كلها أسباب تؤدي لنتيجة واحدة، قناعة لدى الشخص أن كل ما يقوله حكمة يجب أن تُكتب بماء الذهب.
في مرحلة من مراحل حياتي اكتشفت نفسي وأنا أتصدر في كل مشهد وأتكلم في كل تخصص، أدرب في العلوم الإدارية، أتحدث في التربية، أنظر في الاقتصاد، وهكذا، ومن خلال مجموعة من الدروس القاسية اتخذت قراراً بأني، قدر الإمكان، سألتزم بالمجالات التي لدي فيها قيمة مضافة، ووضعت لذلك مجموعة معايير لتحديد ما إذا كان بإمكاني «التفلسف» في موضوع معين، أولاً، هل لدي المؤهل العلمي أو المعرفي للخوض في هذا الموضوع، هل هو في نطاق تخصصي العلمي الذي درسته وأفهم مناهجه ومعارفه؟ ثانياً، هل لدي تجربة عملية في هذا المجال بإمكاني نقل نتائجها للآخرين، إيجابية كانت أم سلبية، هل تجاوز تعاملي مع هذا الموضوع حيز التنظير إلى التطبيق؟ ثالثاً، هل يتعدى مستوى فهمي في هذا الموضوع مستوى فهم جلسائي أو على الأقل يقاربه؟ إذا كانت الإجابة نعم على أحد هذه الأسئلة على الأقل سمحت لنفسي أن أتكلم وأنظر وربما أتشدق بمعرفتي على الآخرين.
لا شك أننا جميعاً عند الحديث العام نتكلم حول كل شيء، وليس هذا ما أعنيه هنا، فنقاش عام حول الشؤون السياسية في عالمنا لا يحتاج لمختصين في العلوم السياسية، وتداول حال السوق لا يحتاج لاقتصاديين ولكني أتكلم عن التصدر كمرجعية، أتكلم عن تقديمك لنفسك على أنك خبير أو مرجعية في هذا المجال، حتى في الوسط الاجتماعي العادي، فعندما تجلس في مجلس ما ويُطرح موضوع معين من الطبيعي أن تتداخل مع المتحدث وأن تعارضه وتوافقه في نقاش يسوده احترام أفكار الآخر، ولكن المشكلة هي في أن تستصغر آراء الآخرين وتقدم رأيك على أنه رأي علمي رصين وأنت في الحقيقة ربما تكون أقل دراية من الذين تحدثهم بالموضوع الذي تتحدث فيه.
قلة التصدر في كل موضوع تعطي لكلامك مصداقية، فتبدو بمظهر أكثر قيمة عندما تتحدث، فكلما تصدرت في غير مجالك سهل العثور على عثراتك وتتبع الخلل في كلامك، وفي كل مرة يحدث ذلك فيها تكون خسرت جزءا من رصيدك لدى الآخرين، حتى ينتهي بك الأمر مفلساً من احترام من حولك، وربما أتاك ذلك السؤال القاتل الذي يقضي على رصيدك بضربة واحدة، ما دخلك بهذا المجال؟ ما تخصصك؟ ما الذي يجعلك أفهم من الآخرين في هذا الموضوع؟ حينها ستعدم جواباً مقنعاً إلا إذا كنت فعلاً مؤهلاً فيما تقول.
جميل أن تحاول أن تكون مبدعاً في كل مجال تجد نفسك فيه، ولكن من المهم أن تعرف حدود قدراتك وتقيم ما لديك من معرفة، لا تنخدع بقدرتك على الكلام وتزويقه، ومهارات التفكير التي تمكنك من إخفاء جهلك، عندما يطلب رأيك فيما لا تعرف قل ببساطة، لا أعرف، ابحثوا عن صاحب تخصص، وإذا فتح الباب لك للحديث في موضوع لا تفقه فيه ابدأ كلامك بالاعتذار عن جهلك ثم تكلم في الجزئية التي تعرفها، كلنا نقع في هذا الفخ ولكن العبرة هي بأن نكون واعين لوقوعنا فيه، فإذا وجدت لسانك تجاوز قدرات عقلك، أدبه واعترف بجهلك أمام من أراد لسانك التباهي أمامه، فالاعتراف بالجهل لا يزيدك إلا قيمة، أما ادعاء العلم لا يزيد إلا جهلك.