أحدث الأخبار
  • 10:00 . فرنسا تعتزم تقديم شكوى ضد إيران أمام محكمة العدل الدولية... المزيد
  • 07:30 . رويترز: الإمارات والولايات المتحدة توقعان اليوم اتفاقية إطارية للتكنولوجيا... المزيد
  • 06:09 . ترامب يؤكد الاقتراب من إبرام اتفاق نووي مع إيران... المزيد
  • 04:42 . ترامب يصل أبوظبي في آخر محطة خليجية... المزيد
  • 02:33 . الإمارات تدعو أطراف الأزمة الليبية إلى الحوار وتجنب التصعيد... المزيد
  • 01:24 . ترامب من قطر: لا أريد أن تتخذ المفاوضات النووية مع إيران "مسارا عنيفا"... المزيد
  • 01:24 . ارتفاع أسعار الخضار والفواكه بنسبة 80% بسبب موجات الحر وارتفاع تكاليف النقل... المزيد
  • 11:09 . مدارس خاصة في الشارقة تُلزم أولياء الأمور بسداد الرسوم قبل اليوم ومطالبات بمرونة في الدفع... المزيد
  • 11:08 . مسؤول إيراني رفيع: طهران مستعدة للتخلي عن اليورانيوم مقابل رفع العقوبات... المزيد
  • 11:05 . رئيس الدولة يبحث مع وزير دفاع السعودية في أبوظبي تطورات المنطقة... المزيد
  • 11:04 . رئيس الوزراء القطري: لا نتوقع تقدما قريبا في المفاوضات بين حماس و"إسرائيل"... المزيد
  • 08:50 . الذكاء الاصطناعي في مجمع الفقه... المزيد
  • 07:26 . الإمارات ترحب بإعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا... المزيد
  • 05:55 . ترامب يصل الدوحة في ثاني جولاته الخليجية... المزيد
  • 01:18 . البيت الأبيض: ترامب يدعو الشرع للانضمام إلى اتفاقيات "التطبيع مع إسرائيل"... المزيد
  • 01:16 . ترامب يجتمع مع الشرع في الرياض بحضور ولي العهد السعودي وأردوغان عبر تقنية الفيديو... المزيد

الفيلسوف الجاهل

الكـاتب : ماجد محمد الأنصاري
تاريخ الخبر: 19-05-2015

هل جلست يوماً مع شخص يتكلم في كل مجال ويزاحم في أي تخصص، أي موضوع يطرح سيكون فيه خبيراً، أي مشكلة تظهر سينبري لحلها، لا شك أننا جميعاً نجد في حياتنا مثل هذا الشخص، بل ربما في داخل كل منا يختبئ هذا الشخص، يرفض أن يتقبل جهله أو أن يعرف حجمه، يكفيه كلمتان تقال له أو يقرأهما في جريدة لتجعله خبيراً ينطلق مبشراً بأفكار جديدة وحلول عظيمة لكل معضلة أتعبت البشرية، وأعود لأقول كل واحد منا يجد في نفسه شيئاً من هذا، من منا يحب الاعتراف بجهله وقصوره، من منا لا يحب أن يسمع الآخرون له في كل موضوع ويتبع الناس طريقه في كل مجال؟ لكن هناك من يحول هذه الشهوة الخفية إلى ممارسة معلنة، وهنا المشكلة.
هذا الشخص لا يهمه أن يكون متخصصاً، وإن كان يحدثك ليل نهار عن أهمية التخصص، ولا يهمه أن يكون ملماً بالموضوع الذي يتحدث فيه، ولو أمضى ساعات وهو يكلمك عن أهمية جمع المعلومات قبل الحكم على الشيء، لماذا؟ لأنه تجاوز مرحلة تقييم ذاته، فهو يعتقد أنه الأفضل، ولا مجال لمناقشة ذلك، ويعتقد أن عقله قادر على ما عجز عنه الآخرون، وكيف لا وهو من هو، ولكن كيف تنشأ وتتطور هذه الحالة؟ ربما يبدأ الأمر بنبوغ على مستوى الأقران، ويستشعر هو حالة النبوغ هذه من خلال ثناء من حوله وقدرته على إقناع الآخرين وإبهارهم، وربما تكون قدرات التفكير والتعبير العالية التي تجعل الشخص قادراً على أن يتكلم في أي موضوع ويبدو فاهماً له، وربما يكون نتيجة ثرائه أو منصبه الذي يجعل الناس ينافقونه في كل ما يقول، كلها أسباب تؤدي لنتيجة واحدة، قناعة لدى الشخص أن كل ما يقوله حكمة يجب أن تُكتب بماء الذهب.
في مرحلة من مراحل حياتي اكتشفت نفسي وأنا أتصدر في كل مشهد وأتكلم في كل تخصص، أدرب في العلوم الإدارية، أتحدث في التربية، أنظر في الاقتصاد، وهكذا، ومن خلال مجموعة من الدروس القاسية اتخذت قراراً بأني، قدر الإمكان، سألتزم بالمجالات التي لدي فيها قيمة مضافة، ووضعت لذلك مجموعة معايير لتحديد ما إذا كان بإمكاني «التفلسف» في موضوع معين، أولاً، هل لدي المؤهل العلمي أو المعرفي للخوض في هذا الموضوع، هل هو في نطاق تخصصي العلمي الذي درسته وأفهم مناهجه ومعارفه؟ ثانياً، هل لدي تجربة عملية في هذا المجال بإمكاني نقل نتائجها للآخرين، إيجابية كانت أم سلبية، هل تجاوز تعاملي مع هذا الموضوع حيز التنظير إلى التطبيق؟ ثالثاً، هل يتعدى مستوى فهمي في هذا الموضوع مستوى فهم جلسائي أو على الأقل يقاربه؟ إذا كانت الإجابة نعم على أحد هذه الأسئلة على الأقل سمحت لنفسي أن أتكلم وأنظر وربما أتشدق بمعرفتي على الآخرين.
لا شك أننا جميعاً عند الحديث العام نتكلم حول كل شيء، وليس هذا ما أعنيه هنا، فنقاش عام حول الشؤون السياسية في عالمنا لا يحتاج لمختصين في العلوم السياسية، وتداول حال السوق لا يحتاج لاقتصاديين ولكني أتكلم عن التصدر كمرجعية، أتكلم عن تقديمك لنفسك على أنك خبير أو مرجعية في هذا المجال، حتى في الوسط الاجتماعي العادي، فعندما تجلس في مجلس ما ويُطرح موضوع معين من الطبيعي أن تتداخل مع المتحدث وأن تعارضه وتوافقه في نقاش يسوده احترام أفكار الآخر، ولكن المشكلة هي في أن تستصغر آراء الآخرين وتقدم رأيك على أنه رأي علمي رصين وأنت في الحقيقة ربما تكون أقل دراية من الذين تحدثهم بالموضوع الذي تتحدث فيه.
قلة التصدر في كل موضوع تعطي لكلامك مصداقية، فتبدو بمظهر أكثر قيمة عندما تتحدث، فكلما تصدرت في غير مجالك سهل العثور على عثراتك وتتبع الخلل في كلامك، وفي كل مرة يحدث ذلك فيها تكون خسرت جزءا من رصيدك لدى الآخرين، حتى ينتهي بك الأمر مفلساً من احترام من حولك، وربما أتاك ذلك السؤال القاتل الذي يقضي على رصيدك بضربة واحدة، ما دخلك بهذا المجال؟ ما تخصصك؟ ما الذي يجعلك أفهم من الآخرين في هذا الموضوع؟ حينها ستعدم جواباً مقنعاً إلا إذا كنت فعلاً مؤهلاً فيما تقول.
جميل أن تحاول أن تكون مبدعاً في كل مجال تجد نفسك فيه، ولكن من المهم أن تعرف حدود قدراتك وتقيم ما لديك من معرفة، لا تنخدع بقدرتك على الكلام وتزويقه، ومهارات التفكير التي تمكنك من إخفاء جهلك، عندما يطلب رأيك فيما لا تعرف قل ببساطة، لا أعرف، ابحثوا عن صاحب تخصص، وإذا فتح الباب لك للحديث في موضوع لا تفقه فيه ابدأ كلامك بالاعتذار عن جهلك ثم تكلم في الجزئية التي تعرفها، كلنا نقع في هذا الفخ ولكن العبرة هي بأن نكون واعين لوقوعنا فيه، فإذا وجدت لسانك تجاوز قدرات عقلك، أدبه واعترف بجهلك أمام من أراد لسانك التباهي أمامه، فالاعتراف بالجهل لا يزيدك إلا قيمة، أما ادعاء العلم لا يزيد إلا جهلك.