بعد السقوط المخزي للموصل بقرابة العام سقطت مدينة الرمادي بيد «داعش» وتكرر سيناريو هروب وانسحاب قوات الأمن العراقية، وبدلًا من القتال دفاعاً عن المدينة نقلت وكالات الأنباء صور هروب القوات العراقية من الرمادي. فوجئت واشنطن من تكرار سيناريو الهروب وقالت إن تلافي الهزيمة كان ممكناً لو أن الحكومة العراقية أشركت العشائر السنية في الأنبار في معركة الدفاع عن أرضها؛ ولهذا فإن واشنطن ستقدم السلاح مباشرة إلى عشائر الأنبار. وقالت «البنتاغون» إن الجيش العراقي خلف وراءه 6 دبابات وعدداً مماثلًا من المدافع الثقيلة، إلى جانب عشرات ناقلات الجند، وما يقارب 100 عربة «هامفي» مدرعة، وكميات غير محددة من الذخائر المتوسطة والثقيلة. والهزيمة في الرمادي أمرّ من هزيمة الموصل، فالقوات العراقية تقاتل بغطاء جوي أميركي ومعركة الرمادي مستمرة والأخطر من ذلك أن المعدات العسكرية الأميركية التي قدمت حديثاً للجيش العراقي أصبحت غنيمة بيد مقاتلي «داعش» فما كان من رئيس الوزراء حيدر العبادي، إلا أن طلب المساعدة من «الحشد الشعبي» لاستعادة المدينة، التي كان قد تعهد بعدم السماح بسقوطها، فلماذا يعتقد العبادي أن مليشيا طائفية قادرة على تغيير موازين القوى على الأرض، بعد أن فشلت القوات العراقية المدعومة بغطاء جوي أميركي؟ لماذا سقطت الرمادي، أم أُريد لها أن تسقط؟ وما هي المتغيرات السياسية المحلية والإقليمية التي يمكن أن تترتب على سيطرة «داعش» على الرمادي؟
بدأ احتشاد الحشد ووصل نحو 3000 مقاتل إلى قاعدة الحبانية شرق الرمادي من أصل 30 ألفاً سيصلون تباعاً تحت قيادة زعيم «منظمة بدر» هادي العامري. وكان العبادي قد أمر قوات «الحشد الشعبي» بالتوجه إلى المدينة لاستعادتها من خلال هجوم مشترك مع قوات النخبة والفرقة الذهبية في الجيش، وسارعت طهران لانتهاز الفرصة فعرضت على لسان علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، استعداد إيران لمواجهة «داعش» قائلاً: «إذا طلبت الحكومة العراقية من الجمهورية الإسلامية بشكل رسمي كبلد شقيق أن تقوم بأي خطة للتصدي.. فإن طهران ستلبي مثل هذه الدعوة». وتثير التطورات المتسارعة عدداً من التساؤلات، فهل يمكن تخيُّل أن الحكومة العراقية سمحت بسقوط الرمادي لتعطي مبرراً للاستعانة بـ«الحشد الشعبي» كمنقذ؛ لأن واشنطن ظلت تعارض وتتحفظ على مشاركة «الحشد الشعبي»؟ وما هي المصلحة الإيرانية في المشاركة في معركة الأنبار؟ لقد أعطت دعوة العبادي لـ«الحشد الشعبي» دوراً بديلاً عن الدولة، وعن القوات العراقية الرسمية، وتلك كارثة كبرى على الدولة العراقية قبل أن تكون كارثة على الرمادي أو الأنبار. فـ«الحشد الشعبي» مليشيا عقائدية لها أهدافها الخاصة بعيداً عن أهداف الدولة العراقية، والقضية الأهم أن هذا الحشد الطائفي مرفوض من أبناء هذه المدن مما قد يخلق مواجهات طائفية في الوقت الذي تضغط فيه واشنطن على بغداد من أجل إبعاد هذه القوات عن المشهد العراقي، فمعركة الرمادي ستعيدها وبقوة إلى الواجهة.
في الهزائم العسكرية، هناك ما هو معلن، وهناك ما هو سري، وكل السيناريوهات المتوقعة في ظل الخيارات التي تطرحها حكومة العبادي والتطورات على الأرض كارثية في حق العراق كدولة موحدة، ومأساوية لسكان المناطق من المدنيين الواقعين بين مطرقة «داعش» وسندان مليشيات «الحشد الشعبي» الطائفية، وسيناريو تكريت قابل للتكرار ما دامت المجازر الطائفية تتم بغطاء حكومي، والأخطر بعد سقوط الرمادي أن «داعش» تبعد مئة ميل فقط عن العاصمة بغداد.