شنت الصحف الغربية حملة ضد أردوغان قبل وبعد الانتخابات فوصفته قبل الانتخابات بالمغرور ووصفته بعد الانتخابات بالمصفوع في حين أن حزبه لم يخسر مركزه الأول في الانتخابات وإنما فقد نسبة مهمة من الأصوات،فعلى سبيل المثال وضعت صحيفة التايمز البريطانية عنوانا"الاكراد ينطلقون والناخبون يطيحون بأردوغان"،وصحيفة الغارديان تضمنت عبر الكاتب كونستانز ليتش"الانتخابات أذلٌت أردوغان"، وعلقت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بأن الناخبين الأتراك وجهوا صفعة لرئيسهم أردوغان.
من المؤكد أن أردوغان انزعج كما انزعج مؤيدي حزبه من تلك النتائج المحبطة،ومن المحتمل أن أدوغان تخطي سقف طموح شعبه فأخطأ بذلك، لكن هل من صحيح القول بأن أردوغان وجهت له صفعة وأن الشارع التركي قد ملّ من خطاباته وتأثرت شعبيته في ظل مشروعاته التي ينادي بها ومنها مشروع التحول من النظام البرلماني إلى الرئاسي.
ما أن يفقد الإنسان بعض مكتسباته إلا وتكالبت الانتقادات إزاء سياساته دون الالتفات إلى المعطيات العديدة المؤثرة على المشهد،الأمر الذي استغله أعداؤه في التقليل من مشروع يسعى لتأسيس الجمهورية الثانية المدنية القوية المستقرة التي تنافس دول العالم وتساهم في الدفاع عن قضاياه.
يتم التركيز على أخطاء أردوغان ويُتجاوز الحزب وانجازاته ،ذلك لأنهم أرادوا بذلك تحجيم شخصية أردوغان التي أثرت على الشارع التركي في الانتخابات الرئاسية،ويسعون كذلك للتأثير على توجهات ومزاج الناخب التركي ونجحوا بذلك بعض الشيء عبر إعلامهم الممول دوليا.
في نظري أن الأمر قد يتحول إلى فرصة ترجّح كفة أردوغان وإن بدا المشهد مخالفا لذلك،الأمر الذي يمكن أن يمنح آردوغان أدوات جديدة لم يستغلهابعد ويمكن أن تستقطب عددا من الناخبين المنضوين تحت أحزاب عرقية وخصوصا منتخبي حزب الشعوب الكردي اليساري والمتعاطف مع الانفصاليين الاكراد في جنوب شرق البلاد.
أصبح من المجدي أن نقرأ الانتخابات التركيه بصورة مغايرة ومخالفة لما تقرأه شاشات الانتخابات بأرقامها المجردة،ذلك أن أردوغان استطاع في الفترة المنصرمة أن يقنع الشعب التركي بانجازاته الاقتصادية والخدمية،فما هي الأدوات الجديدة التي تقنع الشعب بمشروعاته الاستراتيجية القادمة منها الحضارية والثقافية.
من المثير أن تتحول نسبة من الشعب التركي عن رئيسهم الذي رفع من معدلات الاقتصاد والتجاره والخدمات والتعليم والصحة إلى أحزاب جُرّب فشلها أو أحزاب ناشئة تركز على العرق أكثر مما تركز على مصلحة الشعب والوطن،الأمر الذي يوحي بأن الانتخابات التركية لا تتجاوب مع المشهد المحلي فحسب بل أصبحت دائرتها أوسع شملت الخارج ببعده الحضاري والثقافي والحقوقي خصوصا بعد النجاحات التي حققتها حكومة العدالة والتنمية على الصعيد المحلي والخارجي ومواقفها الثابتة إزاء قضايا الحريات وحقوق الانسان فضلا عن انتقاداتها المتكرره للسياسات الغربية إزاء تلك القضايا.
تلك النجاحات والانجازات التي لم ترضي الغرب كانت تحت مظلة النظام البرلماني المشحون بالتجاذبات والتأثيرات من قوى داخليه وخارجية،فمابالك إن استطاع أردوغان تفعيل آداء الحكومة عبر إقرار النظام الرئاسي ذو الصلاحيات الواسعة والواعدة التي تتيح له تحقيق حلمه بإقامة الجمهورية الثانية ذات الخلفية والرؤية الجديدة.الأمر الذي لم يستوعبه بعض أبناء الشعب فبات البعض يتتبع انتقادات الإعلام المسيّس كان إحداها أنه يسعى إلى مزيد من السيطرة والاستئثار بالحكم.
من الغريب أن يتهم رئيس بأنه استبدادي ومغرور ويسعي لتوسيع سلطاته في حين أن حكمه لن يتجاوز ٨ سنوات،وهو الذي يسعى لاصلاحات في النظام التركي للتخلص من توازنات وتداخلات السلطات التنفيذية التشريعية والقضائية مع بعضها البعض عبر فصل السلطات عن بعضها، وتعزيز منصب الرئيس المنتخب الذي يمكنه من مضاعفة قدرته على سرعة إنجاز المشروعات الاستراتيجية كما هو حاصل في أمريكا.
الانتخابات التركية تشير أن المرحله المقبله ليست كما هي قبل الانتخابات في الفهم والتحديات والصراعات، ذلك لأن أغلب الأحزاب التي دخلت البرلمان لها توجهات قومية ويسارية مناكفة تماما لتوجهات حزب العدالة والتنمية الإسلامي وعليه فمن الصعب الدخول معها في تحالفات دون تقديم تنازلات مؤلمة،وهذا الذي لا يتوافق مع شخصية اردوغان،وعليه فالاحتقان سيزداد وتزداد معه حالات الفرز والكشف عن حقيقة الشعارات الوطنية،الأمر الذي سيفضي والله أعلم إلى انتخابات مبكره قد تدفع إلى تعزيز موقف الرئيس وحزبه لا أن تصفعه مرة أخرى.