استكمالاً للمسيرة المباركة نحو استشراف مستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد جاءت التغييرات الهيكلية التي اعتمدها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأعلن عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، خلال فعاليات القمة الحكومية العالمية المنعقدة في دبي، ترجمة واقعية لهذا التوجه، لترسم لنا عهداً جديداً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية في دولة الإمارات، وتسهم في إطلاق دينامية واسعة تهدف إلى تحريك الطاقات في كل المجالات لخدمة هذا الهدف، إدراكاً من القيادة الحكيمة أن القرن الحادي والعشرين يحتاج إلى رؤية جديدة ونمط جديد للإنتاج والإبداع والابتكار، ونموذج اقتصادي جديد يقوم على توظيف العقول والأدمغة القادرة على الاكتشاف والابتكار والاختراع لخدمة هذا الهدف الذي يضع الدولة في مصاف الدول المتقدمة حضارياً، ويفسح لها مساحات واسعة على الخريطة الاقتصادية العالمية التي تتشكل الآن بقوة متسارعة.
هذه التغيرات الهيكلية تعتبر في نظر كثيرين حدثاً تاريخياً بالغ الأهمية، سيفسح المجال للإبداع والابتكار والتنافس نحو تقديم الأفضل، وتحفيز الهمم وشحن الإرادات، فقوة آلية التغيير في هذا الهيكل تكمن في مرونته وقابليته للتكيف مع الظروف والمتغيرات المستقبلية والمحاور العديدة التي انطلق منها، وأهمها:
1- بناء الإنسان علمياً وفكرياً ومعرفياً والاهتمام بصحته ودعم العلوم والأبحاث المؤدية إلى اقتصاد معرفة مزدهر، ولذلك نص التغيير الهيكلي على إنشاء مجلس علماء الإمارات ليضم نخبة من الباحثين والأكاديميين للاستفادة منهم في تقديم المشورة العلمية والمعرفية للحكومة، ومراجعة السياسة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، وإطلاق برامج لتخريج أجيال من العلماء.
2- تركيزه على العنصر البشري، وعلى الأخص طاقات الشباب، باعتبار أن بناء الإنسان هو الأساس في مسألة التغيير، وهو الأداة المحورية والجوهرية التي تحرك كل الطاقات لعملية النمو والنهوض والتنافس نحو الأفضل، لأن العنصر البشري هو المورد الاقتصادي الأهم في منظومة التنافس العالمي، حيث تقاس ثروة الأمة الوطنية من خلال ما تملكه من كفاءات وعقول مبدعة، ولذلك تم إنشاء مجلس شباب الإمارات، ويضم نخبة من الشباب والشابات ليكونوا مستشارين للحكومة في قضايا الشباب.
3- تركيز التغيير على حماية اللغة العربية لترسيخ الهوية الوطنية، وتسهيل لغة الإبداع في المجتمع، وزيادة ثقافة المعرفة فيه، واستحداث وزارة للسعادة لمواءمة خطط الدولة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع، وتحفيزه على تقديم أفضل ما عنده لخدمة الوطن والمواطن، ووزارة للتسامح لترسيخ قيمة التسامح في المجتمع.
وهذا التغيير الهيكلي هو في حقيقة رؤية استراتيجية بعيدة المدى لإعادة صياغة بناء معادلات اقتصادية واجتماعية وتربوية وثقافية ومعرفية وسياسية وسلوكية، تدفع بالمجتمع نحو الكشف عن قدراته ومهاراته وإبداعاته وابتكاراته الذاتية التي ستصب نتائجها في نهاية الأمر لخير الوطن والمواطن، وتعطي المسيرة الاتحادية المباركة دفعة جديدة لمواجهة تحديات المستقبل في ظل المنظومة العالمية التي أصبحت أكثر سرعة وتوسعاً وفاعلية وديناميكية، وتجعل الإمارات مركز إشعاع حضاري للعالم العربي وللشرق الأوسط. وكم أعجبني ما قاله مدير القبة السماوية في المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي الدكتور نيل تايسون، بأن دبي أصبحت بالفعل مركز إشعاع حضاري للعالم العربي والشرق الأوسط كبغداد قبل نحو 1000 عام، وهي تجسد حلم المستقبل الذي تحلم به بما تضمه من تنوع كبير من العقول واستخدام التكنولوجيا في كل أنشطتها ومشروعاتها وتخطيطها للمستقبل.