لا أعرف هل للموضوع جذر لغوي معرفي، أم أنه موضوع اجتماعي وموروث وتقليدي فقط؟! لكنه يحيّرني؛ فكل أمر خيّر وإيجابي يقوم به البعض يُنسب إلى الفريج، بينما كل أمر شرير وسلبي يُنسب إلى الشارع، فتسمع مثلاً بأن (عيال الفريج) قاموا اليوم بزيارة المريض الفلاني، ولكنك تسمع بالمقابل بأن (عيال الشوارع) قاموا بتحطيم لمبات أعمدة الإنارة؛ غريبة أليس كذلك؟ عيال الفريج قرروا بناء مسجد.. عيال الشوارع شخبطوا على حيطان المدرسة، عيال الفريج يوزعون الحلوى في العيد، عيال الشوارع ضربوا خلود كنكري! نوع من النرجسية العربية التي ترى كل عمل طيب يُنسب إلى معلوم، بينما كل عمل شرير يُنسب إلى مجهولين، كونوا مثل عيال الفريج.. ولكن لا تكونوا مثل عيال الشوارع! رغم أن فرجاننا لم تُبنَ على نظام حدائق بابل المعلقة هندسياً، لذا فالمنطق يقول إن كل فريج تحدّه أربعة شوارع، وإن نصف سكان الفريج بحكم الواقع هم أبناء شوارع! بالطبع عند الافتخار بالناحية المادية لا الإرث الحضاري، ستنعكس الآية ويفتخر القوم بأن بيتهم (على الشارع) وليس (داخل الفريج).. شيزوفرينيا!
تسرّب مصطلح أبناء الشوارع بقوة إلى وعيي، وأنا في حالة السطلة، أتابع ما يصلني عبر الـ«واتس»، وهو كاذب وإن صدق.. فيديو مؤلم انتشر بسرعة لأبناء (...) في إحدى المدارس الحكومية بالعشرات، وربما بالمئات، قرروا أن يتمردوا ويحطموا بوابة المدرسة التي لم يتعب آباؤهم في شرائها، للخروج في فسحة خارج المدرسة. الفيديو كان صادماً ومؤلماً فعلاً، لما يمكن للغوغاء فعله بالمنجزات الحضارية التي تسعى الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية لتوفيرها للأجيال!
فأولاً ما الفرق بين طالب يحطم بوابة مدرسة وسورها وسائق صدم عمود إنارة وحطمه؟ فمثلاً الإجراءات المرورية الخاصة بالبلديات والشرطة واضحة ورادعة، وفيها حفاظ على المال العام، بينما هناك تساهل ونوع من «التمييع» في محاسبة الطلبة السفهاء الذين يخربون المنظر الجمالي لمدرسة، أو يحطمون ما يشاؤون في لحظة غضب.. من يبكي لحمزة؟
النقطة الثانية شركات الأمن الخاصة ومدى فاعليتها في الأحداث الحقيقية، فقد كان واضحاً أن الإفريقي المسكين لا حول له ولا قوة ولا سلطة ولا حتى رأي.. موظفو «السيكيوريتي» ليسوا بوضعهم الحالي سوى ديكور وكمالية، يقول لي أحدهم حزيناً: ما الذي يمكنني فعله أمام طالب أعلم أن والده يستطيع باتصال واحد أن يفصلني من عملي؟! كيف يمكننا أن نتوقع ممن يعيش بهذه النفسية أن يقول لا؟ النقطة الثالثة والأهم أن هذه التجمعات الغوغائية، كان يجب أن تضرب بقبضة حديدية، فماذا لو استطاب هذا الطالب الذي قاد العصيان الأمر، وقرر أنه في كل مرة لا يسمح له بأخذ فسحة أن يتصرف بالطريقة ذاتها؟ كيف إذا كبر بهذه العقلية؟ أنا حر وأفعل ما يحلو لي.. وبالطبع فجيبه لن يقرصه على المبنى أو البوابة.. فقد ولد وكل شيء مجهّز له.. مجاناً!