لا شك أن مصطلح الاستدامة من أكثر المصطلحات شيوعاً في أدبياتنا العامة هذه الأيام، فهو كمصطلح العولمة والهوية وغيرها من المصطلحات الحديثة التي دخلت على حياتنا قد أحدثت فيها الكثير من التغير. وفي الواقع فإن مصطلح الاستدامة حل محل المصطلح التقليدي وهو التنمية والذي روجت له الدول الاستعمارية عندما أرادت إيجاد مبرر لتخلف مجتمعات العالم الثالث التي تحت سيطرتها فقالت إن تخلفها هو نتاج لممارساتها الخاطئة الناتجة عن عدم التنمية وليس نتاج الاستعمار.
في مطلع عقد الثمانينيات حل مصطلح الاستدامة محل التنمية وأصبح هذا المصطلح من أكثر المصطلحات شيوعاً ليس في الإمارات فحسب ولكن في مختلف بلدان العالم لأنه أصبح يطبق على الكثير من مجالات الحياة وخاصة البيئة والاقتصاد والمجتمع وغيره. وعلى الرغم من أن مصطلح الاستدامة مصطلح بيئي يصف كيف تبقى النظم متنوعة ونشطة ومنتجة مع مرور الزمن، إلا أنه أصبح يعني الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية معاً. فالتنمية المستدامة هي تلك التي تلبي احتياجات البشر في الوقت الراهن دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تحقيق أهدافها. وقد أصبح هذا المصطلح واسع الاستخدام ويطبق على كل أوجه الحياة بدءاً من المستوى المحلي إلى المستوى العالمي. وتنوعت أوجه الاستدامة لتشمل التغير المناخي والحفاظ على الموارد الطبيعة وحسن إدارتها والاستخدام الأمثل للموارد البشرية.
وفي الإمارات أصبحنا نستخدم هذا المصطلح كثيراً ونسمع عنه بصورة يومية وفي الكثير من مجالات الحياة مثل الموارد الاقتصادية والبيئية والبشرية. فما هي سبل الاستدامة؟ وكيف يتم تطبيق نظم الاستدامة وهل نحن فعلاً جادون في منحى الاستدامة خاصة تجاه مواردنا البشرية المحدودة وضمان حسن توزيعها والاستفادة منها؟
على الرغم من أننا نستخدم هذا المصطلح في الكثير من جوانب حياتنا إلا أنه لا يبدو أننا مدركين لأهمية كل جوانب هذا المصلح. فنحن نطبقه على نظم الإدارة وعلى الاقتصاد الأخضر بينما نهمل جانباً مهماً ألا وهو استدامة الموارد البشرية والأمثلة على ذلك عديدة. مؤسسات وطنية كبيرة في حاجة متزايدة للتوطين تستغنى بكل سهولة عن عناصر بشرية مؤهلة وتسعى لتوظيف عناصر جديدة بحجة تجديد الدماء. شركات كبرى تطبق نظم الاستدامة الاقتصادية وتهمل الاستدامة البشرية وأخرى تلجأ للتوعية بأساليب الاستدامة الاقتصادية والبيئة بينما تهمل الاستدامة البشرية.
أمثلة كثيرة على إهمال الاستدامة البشرية نراها واضحة من ممارسات المؤسسات والشركات الوطنية. فكيف يتم إقناع المؤسسات بأن الاستدامة البشرية وحسن استخدام وتدوير الموارد البشرية هي جزء لا يتجزأ من مصطلح الاستدامة؟ ومتى يتم الاقتناع بأن الاستدامة في استخدام الموارد الطبيعية والاقتصادية والبشرية هي جميعها وجه واحد لعملية التنمية المستدامة وأنه لا وجود لتنمية مستدامة دون تنمية بشرية لأنها الأساس الذي يضمن حسن التصرف في كل الموارد البيئية، فما المقصود بالتنمية البشرية المستدامة؟ هي الحاجة إلى إيجاد نوع من التوازن بين السكان وبين الموارد المتاحة، وبالتالي فهي علاقة بين الحاضر والمستقبل بهدف ضمان حياة ومستوى معيشة أفضل للأجيال القادمة.
ولا وجود لتنمية مستدامة دون تنمية بشرية لأنها هي الضامن للتنمية المستدامة. وهناك جانب آخر مهم متعلق بالتنمية البشرية ألا وهو التنمية المؤسسية، ونعني بها قدرة المؤسسات وهياكلها التنظيمية على أداء دورها بفعالية في خدمة المجتمع إلى جانب المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني. فهذا الجانب من التنمية مهم للغاية لأنه يعنى بالجوانب الإدارية المسؤولة عن سير الأمور في المجتمع. إن التنمية المستدامة هي التي سوف تحفظ لنا حسن سير الأمور وحسن التصرف في الموارد الطبيعة وضمان الاستخدام الأمثل للموارد البشرية.
إن تقدم دولة الإمارات اليوم قائم على رؤية متميزة وقائمة على ضمان الاستخدام الأمثل ليس للموارد الطبيعية ولكن لكل الموارد المتاحة بما فيها الاقتصادية والاجتماعية والبشرية. بهذا تكون دولة الإمارات قد حققت السبق ليس فقط الحضري ولكن السبق الحضاري أيضاً، كما أن مستقبل الأجيال القادمة مرهون بتطبيق هذه الرؤى والخطط المعتمدة على الاستدامة لتحقيق أحلامها ولخلق مجتمع نامٍ ومترابط ومستقر اقتصادياً واجتماعياً وحضرياً.
كما أن مستقبل الأجيال القادمة ليس فقط خطط وموارد متاحة ولكن أيضاً ربط الحاضر والمستقبل وتوفير كل ما نستطيع توفيره لجعل مستقبلهم آمناً وخالياً من الصعوبات والتحديات.