الوحدة أمر واقعي يعيشه كثير من الناس حولنا، هؤلاء الناس يتحولون إلى أشخاص وحيدين بحكم الظروف أو لأنهم اختاروا ذلك بأنفسهم؛ فالوحدة يمكن أن تكون قدراً كما يمكن أن تكون اختياراً، وفي كلتا الحالتين فالوحدة واقع وشعور ليس من السهل احتماله حتى وإن بدا للبعض من الخارج أنه واقع جميل يعيش صاحبه حالة من الحرية. الوحدة كالعجز تماماً كالشيخوخة وكالمرض: شيء لا يحتمل، شبيه بالتمرينات القاسية جداً على احتمال الحرمان أو الألم دون أن تتفوه بكلمة!
في ثقافتنا الاجتماعية يستهجن البعض على الشخص إن تأفف أو تململ أو أبدى استياءه أو ضجره من المرض أو العجز أو الدَّيْن أو فقدان أحد الأحبة؛ يشعرونه بالذنب وكأنه ارتكب جرماً لا يغتفر؛ يفهمونه أنه بهذا التضجر أو إظهار الألم بصوت عال يكون قد اعترض على إرادة الله التي كتبت عليه هذا، ولا يتوانون عن قذفه بصفات بائسة؛ فهو في نظرهم عديم الصبر، وغير راضٍ بقضاء الله، ولا أجر له في مرضه و...الخ، هل ذلك صحيح فعلاً؟ هل يجوز ذلك ابتداءً؟
في موروثنا الثقافي هناك مقاربات تبدو ظالمة ولا تتسم بعمق التأمل، كما أنها تلجأ إلى الحكم الجمعي والمتساوي؛ بمعنى أنه لا تصنيف ولا تمييز بين حالة وأخرى، ولا بين إنسان وآخر، مع أن الله لم يخلق الناس متساوين كنسخ الكربون، في احتمالهم للألم وفي قدرتهم على الصبر وفي حكمتهم وفي قدرة أجهزتهم العصبية والنفسية على احتمال الألم نفسه!
فهناك نساء لا يحتملن آلام المخاض ويمتن أثناء الولادة، وهناك من تمر عليها الولادة برداً وسلاماً. هناك ألم يمزق الروح والجسد، لكن الأرواح والأجساد ليست متساوية ولن تكون. لقد خلق الله الناس مختلفين وسيبقون مختلفين، وعلى كثير منا أن يدقق في أحكامه وتعبيراته حين يتحدث وكأنه مفوض العناية الإلهية؛ يوزع قسائم الصبر والجنة كما يحلو له.
في موروثنا الاجتماعي إذا طُلِّقت المرأة فهي السبب وهي المذنبة وهي صاحبة الخطأ والخطيئة؛ فحتى في أمثالنا الدارجة إذا ذكرت امرأة مطلقة في مجلس سمعت من تقول (ما طُلقت لخير) بمعنى أنها أحدثت شراً أو مصيبة كانت نتيجتها الطلاق، فماذا عن الرجل؟ ألم يخطر ببالهم ولو للحظة أن يكون هو السبب الأول والأخير: عقيم، بخيل، زير نساء، سيئ المعاشرة...
في موروثنا الاجتماعي أحكام جاهزة تحتاج إلى وقفة!