أحدث الأخبار
  • 05:29 . الإمارات "تلاحق العالم" عبر تدريس الذكاء الاصطناعي للأطفال من سن الرابعة... المزيد
  • 05:11 . حزب العمال الكردستاني يقرر حلّ نفسه بعد 40 عاماً من التمرد على تركيا... المزيد
  • 04:55 . القسام تقرر الإفراج عن الأسير الإسرائيلي الأمريكي اليوم... المزيد
  • 12:50 . الشارقة.. مبادرة لجمع 2.6 مليون درهم دعماً لغزة... المزيد
  • 12:07 . نتنياهو يرفض الالتزام بأي وقف إطلاق نار مع حماس... المزيد
  • 11:58 . القمة الشرطية العالمية تنطلق غداً في دبي... المزيد
  • 02:32 . حماس تعتزم الإفراج عن أسير أميركي ووقف مؤقت لإطلاق النار... المزيد
  • 08:47 . محمد بن زايد والشرع يبحثان تعزيز العلاقات والمستجدات الإقليمية... المزيد
  • 06:44 . كيف تخطط لرحلة الحج من الإمارات؟.. التصاريح والتطعيمات ومتطلبات السفر الرئيسية... المزيد
  • 06:32 . بوتين يعرض على أوكرانيا محادثات مباشرة في إسطنبول... المزيد
  • 12:39 . بعد قطع العلاقات.. الإمارات تعفي السودانيين من غرامات تصاريح الإقامة... المزيد
  • 12:37 . "محكمة أبوظبي" ترفض مطالبة شاب باسترداد 90 ألف درهم من زميلته لغياب الإثبات... المزيد
  • 12:12 . السعودية وإيران تبحثان تعزيز التعاون ومستجدات الملف النووي... المزيد
  • 11:54 . "صحة أبوظبي" تكشف عن شبكة تزوير إجازات مرضية عبر "واتساب"... المزيد
  • 11:52 . باكستان والهند تتبادلان الاتهامات بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار... المزيد
  • 11:50 . سوريا.. احتراق أكثر من 30 هكتاراً بريف اللاذقية خلال 4 أيام... المزيد

كفى صمتاً.. فالأطفال يُذبحون

الكـاتب : علي عبيد
تاريخ الخبر: 18-08-2014

في روايته الشهيرة »آلموت«، يصور الكاتب السلوفيني المعروف »فلاديمير بارتول« كيف كان الحسن بن الصبّاح ينشر دعاته في أقاليم فارس، لاستقطاب الشباب اليافع وإرسالهم إلى قلعة »آلموت« الجبلية المنيعة، حيث يتم تدريبهم على فنون القتال، وتدريسهم الدين على المذهب الإسماعيلي، إلى جانب اللغة والأدب والفلسفة، لإعدادهم بدنياً وذهنياً، قبل تكليفهم بمهمات انتحارية، هدفها توطيد أركان الدعوة الإسماعيلية الباطنية، واغتيال أعدائها من حكام ووزراء الدول التي كانت تحاربها.

وعندما تقرأ في الرواية عن كيفية إعداد هؤلاء الشباب اليافعين، والطريقة التي كان يهيمن بها الحسن بن الصباح على قلوبهم وعقولهم تُدهش، رغم أن التفاصيل من خيال مؤلف لم يعش أحداث تلك المرحلة، وإنما استوحاها مما ورد في كتب التاريخ عنها، وهي كتب سجلت تلك الأحداث على الورق فقط، ولم توثقها بالصوت والصورة كما يحدث في عصرنا هذا، لعدم توفر وسائل التسجيل المتاحة الآن.

لذلك حرص ناشر الرواية على الإشارة إلى أن هذا العمل إنما هو رواية، أي أنه يحكي كأي رواية أخرى قصة شخصيات وأمكنة وأزمان من حبر وورق، تنحصر حقيقتها ضمن إطار النص المكتوب، وهو رواية تاريخية، أي أن الكاتب يتكئ على التاريخ لصناعة الحكاية.. وهذا لا يعني مطلقاً أنه يعيد سرد التاريخ كواقع، وإنما ينشئ واقعاً سردياً جديداً، هو الرواية التي تُقرأ، فقلعة »آلموت« وشخصيات الحسن بن الصباح وعمر الخيام ونظام الملك، وعملية تقويض سلطة السلاجقة في بلاد فارس، وغيرها من الأحداث، كلها عناصر وجدت واقعياً في التاريخ، لكنها في هذه الرواية ليست أكثر من عناصر سردية في نص لا يكتسب واقعيته سوى من كونه الآن بين أيدينا.

ورغم هذا، فإنك تستغرب حين تقرأ عن الأساليب التي استخدمها الحسن بن الصباح مع أولئك الفتية، كي يحولهم إلى فدائيين مستعدين للتضحية بأرواحهم من أجل الجنة التي جعلهم يؤمنون بقدرته على إرسالهم إليها في الحياة الدنيا، وإعادتهم منها ليحكوا ما عاشوه فيها من نعيم.

فقد أعد حدائق غناء في مكان خفي من القلعة، واستخدم فيها النساء والخمر وكل المتع المشروعة وغير المشروعة، وقام بإرسال بعض الفتية إليها، بعد تخديرهم بواسطة الحشيش، موهماً إياهم أنها الجنة التي سيدخلونها بعد الموت، وأعادهم منها مبهورين بالتجربة التي عاشوها ليلة واحدة فقط.

وتتعجب كيف نام ضميره وهو يغرر بفتية في ريعان الصبا، ويدخلهم جنانا وهمية، كي يدفع بهم لتنفيذ مهمات انتحارية، رغبة في الموت للانتقال سريعاً إلى الدار الآخرة، والعودة إلى تلك الملذات بشكل أبدي.

لكن استغرابك هذا وتعجبك يزولان حين تشاهد هذه الأيام ما يفعله آباء »داعش« بأبنائهم، وما يرتكبونه من جرائم في حق أطفال صغار، منتهكين براءتهم.

فقد نقلت إلينا المواقع الإلكترونية الأسبوع الماضي صوراً داعشية الطراز، يظهر في واحدة منها طفل في السابعة من عمره وهو يحمل رأس واحد ممن جز التنظيم رؤوسهم، وكان هذا الطفل هو ابن خالد شروف، أسترالي المولد والجنسية من أصل لبناني، الذي هرب من أستراليا للانضمام إلى الدولة الإسلامية المزعومة، وذاع صيته لكثرة ما ظهر في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يحمل رؤوساً مقطوعة.

وقد بدا الطفل حاملاً الرأس المقطوعة، وهو يرتدي قميصاً صيفياً وسروالاً قصيراً، ويضع على رأسه قبعة خضراء، وكأنه في نزهة عائلية.

كما نشر صورة أخرى لاثنين آخرين من أبنائه، عمر كل منهما دون الثامنة، وقد ظهرا مسلحين بالرشاشات وخلفهما راية »داعش« السوداء، وبجانبهما الأب متمنطقاً هو الآخر برشاشين، في لقطة عائلية داعشية إرهابية بامتياز.

وفي لقطة ثانية لأب داعشي آخر، أظهرت صورة تم تداولها على نطاق واسع خلال الأيام الماضية، انضمام طفلين سعوديين مخطوفين إلى تنظيم »داعش« في سوريا، بعد أن تمكن والدهما من تهريبهما إلى هناك عبر تركيا، على أثر خلاف نشب بينه ووالدة الطفلين، اختفى الطفلان بعدها ولم يظهرا إلا حين أشعلت الأم مواقع التواصل الاجتماعي بحثاً عن طفليها، فأراد الأب أن يحرق قلبها عليهما من خلال أخذهما معه للقتال في سوريا، طالباً منها أن تحتسب طفليها عند الله، موضحاً أنه قد توجه إلى دولة الخلافة للانضمام إلى خليفتها المزعوم أبي بكر البغدادي.

وقبل أن نستفيق من هذه الصور المرعبة، أتحفتنا »داعش« بصورة جديدة لمراهقين يحملون رأس »أبي عبد السميع«، القاضي الشرعي العام لألوية صقور الشام، أحد أهم التشكيلات المكونة للجبهة الإسلامية، بعد أن قتلته عناصر من التنظيم في بلدة »أخترين« في ريف حلب، وقطعت رأسه وطافت به، ونشرت صور رأسه يحملها بعض المراهقين المنضمين للتنظيم بكل تباهٍ وسرور.

جهاد الأطفال هذا فصل جديد من فصول الجهاد الداعشي، الذي لم نعرف له شبيهاً عبر تاريخ أشد الفرق الإسلامية تطرفاً ودموية، لكنه واقع يجب أن نعترف به لأننا نعيشه ونشاهده.

وهو واقع غير مفترى، لأنه مرويٌّ بألسنة أصحابه، مصوّر بأيديهم وكاميراتهم، ومبثوث عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. كما أنه واقع يتباهى به الداعشيون، معتقدين أنهم يعيدون سيرة المجاهدين الأوائل، متناسين أن أولئك المجاهدين لم يكونوا يقتلون طفلاً ولا امرأة، ولا شيخاً كبيراً، ولا راهباً، ولا يقطعون زرعاً، ولا ينتهكون براءة الأطفال.

يقول الأديب اللبناني المعروف أمين معلوف: »يجب أن نصمت عندما ينام الأطفال.. لا عندما يُذبحون«. وها هم الأطفال يساقون إلى الذبح سوقاً، وبأيدي آبائهم، فإلى متى نبقى صامتين؟!