الدعوة التي تلقيتها من فريق «اقرأ» في شركة أرامكو السعودية، للمشاركة في المبادرة لمدة ثلاثة أيام في مدينة الدمام بالسعودية، لم تكن واضحة بما يكفي بالنسبة لي، لكنني تحمست للفكرة، وأبديت موافقة فورية للمشاركة، في الحقيقة كانت الظروف الشخصية غير مواتية فأنا بالكاد عائدة من سفر طويل، وليس بين عودتي وسفري للدمام سوى يومين فقط، لكنني مساء أمس وجدت نفسي أسير بخطى متسارعة في مطار الملك فهد بن عبدالعزيز خارجة منه إلى مقر إقامتي عابرة صحراء طويلة وقاحلة من المطار إلى مدينة الخبر، كنت متشوقة لـ«اقرأ» هذا كل ما كان يجول في خاطري!
مشكلتنا في بلدان النفط، أننا ربينا جيلاً كاملاً من الشباب، اتضح في نهاية الأمر أننا نسينا تزويده بتوجه معرفي شديد الأهمية، هو الاهتمام بالقراءة، ففي دول العالم المتقدمة ينظر للقراءة كفعل حضاري يشكل فارقاً بين الحضارة والتخلف، وبين الركود والتنمية، وبين الغفلة والوعي، وبين أن تعيش في كهف «كرجال كهف أفلاطون» وأن تعيش تحت الشمس وفي النور مباشرة، وحين استدركنا خطأنا كمجتمع، كمؤسسات، كأسر، كمدارس، كمثقفين وأفراد عاديين، بدأنا نركض هنا وهناك، ونندب حظنا، ونقارن أنفسنا بغيرنا، في محاولة جلد للذات كعقاب مستحق، بدأ الكتاب يتحدثون عن الأسباب، والعلماء يحللون الظاهرة، والصحافة تسأل وتطلق الأحكام، وكانت النتيجة النهائية السوداء: «العرب أمة لا تقرأ» و«الشباب العربي لا يهتم بالقراءة بل ولا يدرجها ضمن اهتماماته وهواياته، وطبيعي فالكتاب ليس سلعة أولية في حياة المجتمعات العربي كما هي الحال في إسبانيا وبريطانيا والسويد وألمانيا، وانهالت المقارنات من بين سطور وفقرات تقارير التنمية البشرية»، وضع العرب مخجل جداً بحسب جداول صناعة وإنتاج الكتب، وبحسب الاهتمام العربي بالقراءة وشيوعها بين الناس كسلوك!
وبدأ الكل يتكلم، وما زلنا نتكلم، خاصة أن ديوان حضارتنا الرئيس قائم على ملكة الشعر والنثر، أي على الكلام، نادرة هي المجتمعات التي غادرت منطقة الكلام إلى منطقة الفعل أو منطقة التفكير المنهجي لمعالجة الظاهرة الإشكالية، الذين تصدوا لظاهرة تدني الاهتمام بصناعة الكتاب والترجمة والقراءة عمدوا إلى ترسيخ تراث حضاري متمثل في معرض الكتب، جوائز الكتب والروايات، مسابقات النشر والتأليف للشباب تحديداً، برامج الترجمة، برامج إثراء توجهات الشباب نحو القراءة، وبرنامج «اقرأ» الذي تتبناه أرامكو السعودية، ويهدف إلى الهام وإثراء مليوني شاب وفتاة في مجال القراءة والإبداع ببلوغ عام 2020، إنه واحد من برامج التنمية المعرفية البشرية، يستحق التقدير فعلاً، ويستحق عناء الحضور والمشاركة!
ما يكرسه البرنامج أولاً هو أننا إذا أردنا أن نتجاوز مشكلة فعلينا أن نفككها، وأن نحل عقدها، أما أن ندير حولها حفل زار كلامية لا نهاية لها، فإن المشكلة ستبقى وستراكم إفرازات أكثر، يكرس البرنامج فكرة الاحتفاء بالمعرفة، فالمعرفة والقراءة والثقافة إنتاج حقيقي ذو مردود مؤثر في سياقات تطور المجتمع، إنه لا يقل عن إنتاج البترول وصناعة السيارات والبتروكيماويات.
إن الشباب الذي يقرأ ويحتفي بالقراءة يمتلك سلم قيم تعمل بشكل أوتوماتيكي في الارتقاء بنشاطه ووجهاته وأفكاره وإنتاجه، بطريقة متحضرة وعملية وفاعلة، بعيداً عن الشطط والتطرف والكسل والانحراف .