تتميز دولة الإمارات ككل بسعيها الدؤوب نحو التميز في الخدمات خاصة تلك التي تمس حياة الفرد اليومية كالاتصالات والكهرباء والمياه والإسكان وغيرها من الخدمات العامة، وأي خلل في مستوى تقديم مثل هذه الخدمات يؤثر ليس فقط على حياة الفرد ولكن على السجل المتميز للخدمات العامة التي ننشدها.
وليس هنالك من دليل أوضح من سعينا للوصول إلى التميز وإلى تحقيق مستوى أفضل من رضا العملاء من تلك الجوائز الكثيرة التي ترصد بصورة دورية للمؤسسات والهيئات التي تبذل أقصى جهودها لتقديم أفضل الخدمات وإلى جهودها في تذليل العقبات وتحقيق رضا المتعاملين.
وفي سبيل تحقيق ذلك لجأت الإمارات إلى أفضل الممارسات العالمية التي تهدف إلى تذليل كل العوائق التي يصادفها المواطن العادي في إنجاز معاملاته. فهناك ما يسمى "المتسوق السرى" لكي تتعرف عن قرب على مستوى الخدمات المقدمة، كما أن هناك الأساليب والممارسات التي تضمن جودة الخدمات المقدمة.
وبالتالي فمن ينظر إلى الإمارات يرى صورة جميلة لسعي الحكومة الدؤوب للوصول إلى مستوى راقي جداً في الخدمات المقدمة للفرد. ولكن في طريقنا لتحقيق الكمال لا بد وأن يحدث خلل ما إما نتيجة خطأ بشري أو تقني أو في الواقع نتيجة إهمال بشري.
هذا الخطأ أو الإهمال لا شك يؤثر على رضا المتعاملين وينعكس سلباً على سجلنا الجميل وعلى سمعة خدماتنا العامة وفي رغبتنا في الوصول إلى قمة التميز.
ولذلك فإن الاهتمام بجودة التدريب لكي تصل مؤسساتنا الخدمية إلى قمة التميز هو ما يجب أن نسعى له.
قبل فترة راجعنا إحدى الدوائر الكبيرة والتي تقدم خدمات مميزة للجمهور. وما يميز هذه المؤسسة هو حصولها على العديد من الجوائز العامة والدولية التي أهلتها لاحتلال مرتبة متقدمة بين المؤسسات الخدمية الرائدة في بلدنا.
كانت توقعاتنا كبيرة ولكن الصدمة التي تلقيناها كانت أكبر وعوضاً عن الدقائق التي كان من المفروض خلالها إنجاز المعاملة قضينا أكثر من ساعة. والسبب هو خطأ تقني أو إهمال بشري تسبب في ترتيب متأخرات مالية كبيرة في حسابنا وإن كانت لا تظهر في قوائمنا الشهرية.
أدخلنا هذا الأمر في متاهة كبيرة فلا نحن مقتنعين بالكيفية التي دخلت فيها تلك المبالغ إلى حسابنا ولا هم قادرين على إقناعنا بأن تلك المبالغ هي فعلاً جزء من الفاتورة الشهرية التي ظلت في الظل لا تظهر في الفاتورة الشهرية لنا منذ أكثر من عام.
قضينا نصف الوقت في محاولة فهم كيفية سير المعاملة والنصف الآخر في محاولة للوصول إلى حل منطقي ينهي معاناتنا.
والأسوأ من هذا أن البعض حاول التملص من مسؤولياته بتحميل هذا الخطأ على التقنيات الحديثة والتي أوجدت في واقع الأمر لتبسيط الأمور وليس لتعقيدها. خرجنا من تلك الإدارة على أمل الاتصال والمتابعة حتى نستطيع الانتهاء من إنجاز معاملتنا.
وفي الحقيقة تمت المتابعة والاتصال ولكن دون تقديم تبريرات منطقية حتى أصبح الجميع يدور في حلقة مفرغة. وفي النهاية لم يكن أمامنا إلا دفع كل المبالغ راضخين حتى نتمكن من إنجاز معاملتنا دون عوائق ودون تأخير.
لقد أنجزنا مهمتنا ولكن السؤال الذي لا يزال يراوح مكانه هو كم يا ترى من عملاء لمؤسسات خدمية كبرى يخرجون يومياً غير راضين أو مهضومة حقوقهم خاصة إذا ما أدركنا أن رضا العملاء هو السبب الرئيس للتميز في تلك المؤسسات؟
ما هو التميز الذي تنشده مؤسساتنا الخدمية: هل هو زيادة الأرباح أم أن التميز هو في رضا العملاء وأسلوب المتابعة والتواصل الجيد الذي يخلق الثقة؟ وهل تلك المؤسسات والتي تزخر بالخبراء والموظفين قادرة على الوصول إلى مستوى معين من رضا العميل ورضا المسؤول في آن واحد؟
إن الكثير من مؤسساتنا الخدمية تحقق أرباحاً خيالية تجعلها تغطي على مكامن الخلل فيها.
والتميز في واقع الأمر ليس فقط تميزاً في تحقيق الأرباح وتخفيض التكاليف ولكن التميز الحقيقي في خدمة العملاء ورضاهم بحيث تكون الشكوى إن وجدت محدودة أو مؤسسات دون شكاوى لا حلول معقولة لها.