يثير البعض شكوكاً حول جدوى المساعدات الخليجية التي تُرسل إلى دول شقيقة محتاجة لكنها مضطربة وتكاد تغيب عنها السلطة؛ فهنالك من يرى أن هذه المساعدات لا تصل إلى أهدافها وأن الشعوب لا تستفيد منها! وهناك آخرون يزعمون أن ثمة ضغوطاً على بعض دول الخليج لوجود اختلالات أمنية إقليمية لا تستطيع جيوش دول مجلس التعاون التصدي لها! بينما يرى فريق ثالث أن المساعدات للدول الشقيقة ينبغي أن لا تكون على هيئة نقدية، بل كمشاريع محددة يستفيد منها الناس مباشرة، وأن تفتح الدول الخليجية المانحة مكاتب خاصة لمراقبة تنفيذ تلك المشاريع وتقنين الصرف عليها.
وقد كيلت اتهاماتٌ لدول مجلس التعاون خلال ندوة «اليمن بعد العاصفة»، التي نظمها مؤخراً «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» بالدوحة، وذلك من قبل بعض المشاركين اليمنيين الذين قالوا إن دول «التعاون» هي مَن «سمَّن» الرئيسَ المخلوع علي عبدالله صالح وأمدّته بالملايين حتى كوّنَ المليارات في حسابه الخاص، ثم جاءت «عاصفة الحزم» -حسب قولهم- لتهدم اليمن!
والحقيقة أن بعض المساعدات النقدية ربما تضلّ طريقها نحو الشعوب أحياناً، ما يؤدي لبناء إمبراطورية من السلطوية المدججة بالمال والسلاح. لذا، فإن وضع آليات جديدة جدير بتعديل ذلك المسار، على نحو يساعد الشعوب في التخلص من مشكلاتها.
إن بعض البلدان العربية تعيش أزمات طاحنة قد لا تفيدها معها تلك المساعدات بقدر ما تضُّرها. فمثلاً ماذا يفيد إرسال مساعدات مالية إلى اليمن، وهو فعلا بلد محتاج، لكن التطورات الحالية فيه لا تسمح بإرسال المساعدات لاختفاء الدولة هناك عقب استيلاء الحوثيين (20% من السكان) على المؤسسات، ووجود تهديد باندلاع حرب أهلية، وتهديد آخر بانفصال الجنوب؟! فلمن تذهب المساعدات؟! ومع كل التقدير لما حققته «عاصفة الحزم»، فهناك خشية من أن عمر الفوضى في اليمن قد لا يكون قصيراً.
وكيف يمكن إرسال مساعدات إلى سوريا، وهي بلد دمَّره النظام وقضى على البنى التحتية فيه وشرَّد الملايين من أهله في المنافي والملاجئ؟ ولمن يجب أن تسلّم المساعدات إذا كان النظام يعادي الشعب، وفرقاء الثورة غير متفقين على خارطة طريق واضحة؟
وكيف يمكن إرسال مساعدات إلى الصومال، وهو بلد مضطرب للغاية، ولا يعرف العرب أيضاً مَن مِن زعاماته مؤهل لقيادته؟
لكن لأن الواقع الأمني وتحدياته قد فرض وجود تضامن تلقائي بين دول التعاون ومَن تحالف معها، فإن هناك وعي جديد بضرورة إنهاء الفوضى في هذه الدول، لذا كان الهدف من رواء «عاصفة الحزم»، كسر الذراع الإيرانية التي وصلت إلى اليمن وأثارت الفوضى فيه.
لقد التقى قادة دول مجلس التعاون في قمتهم التشاورية بالرياض، وناقشوا ملفات ساخنة، منها الأوضاع في اليمن بعد بدء عملية «إعادة الأمل»، وضرورة الالتزام التام بقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216) لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن وإنقاذ البلاد من الفوضى. كما ناقشوا الأوضاع المتردية في سوريا، وأعربوا عن القلق من استمرار نظام «الأسد» في القتل والتدمير، وضرورة الالتزام ببيان جنيف1 الصادر في يونيو 2012، وبما يضمن أمن واستقرار سوريا ووحدة أراضيها. كما أعلن العاهل السعودي لدى افتتاحه القمة التشاورية أن أي حل سوري يجب ألا يكون للسلطة الحالية دور فيه. وناقش القادة الملف النووي الإيراني، والعلاقات مع طهران، والقضية الفلسطينية، وملف الإرهاب.
ويتخوف بعض الخليجيين من التغيرات في المواقف السياسية إن لم تكن مبنية على استراتيجيات واضحة ومحددة، خصوصاً فيما يتعلَّق بالمساعدات التي يتم تقديمها للدول الشقيقة، وهناك دول خليجية تعاني تقادم البنى التحتية، والبطالة، وربما تفتقر بعض مستشفياتها إلى الخدمات الصحية المتطورة والإمكانات البشرية، علاوة على النقص في البنى التحتية ومستوى التعليم والتأهيل وبناء الكوادر.. بينما يتم صرف المساعدات لنظم «هشة» أو دول فاشلة!