شهد يوما 13-14 مايو انعقاد قمة كامب ديفيد والتي جمعت قادة دول الخليج مع الرئيس الأميركي بارك أوباما. الكثير من الملفات وضعت على بساط البحث منها ملف اليمن والدور الإيراني المتعاظم والمتمدد في المنطقة، وآخر التطورات الإقليمية والدولية.
وكان أوباما قد دعا في بداية شهر أبريل قادة دول الخليج للنقاش حول الأوضاع في المنطقة. وقد مهد الرئيس الأميركي لهذا اللقاء قبل أكثر من شهر عندما صرح بأن دول الخليج تواجه تهديدات ليست فقط خارجية من قبل الجوار الإقليمي، ولكن أيضا داخلية من قبل الشباب العاطل عن العمل ومن التيارات الأصولية والتي تهدد أمن الخليج تماما كما تهدده إيران. هذا التصريح أثار الكثير من الجدل في داخل دول الخليج وخارجها.
بالنسبة لدول الخليج كانت رسالة أوباما واضحة، فكأنه كان يريد إرسال رسالة مفادها أن اتفاق الإطار النووي مع إيران لا يجب أن يشكل قلقا لدول الخليج. فهذه الدول يجب أن تنظر إلى داخلها أولاً قبل النظر إلى الخارج. رسالة أوباما تلك أرسلت رسالة أخرى قوية لدول الخليج مفادها أنها عليها أن تعتمد على نفسها للحفاظ على أمنها، وأنها لا يجب أن تنظر إلى أحد، وخصوصا الولايات المتحدة لمساعدتها على صيانة أمنها الوطني. هذه الرسالة وضعتها دول الخليج على المحك عندما قررت شن عاصفة الحزم على الحوثيين في اليمن.
فقد عمدت دول الخليج إلى عقد تحالفات مع دول تجمعها المصلحة المشتركة وتملك المقدرة الدفاعية. وعلى الرغم من عدم وضوح المشهد السياسي في الخليج في أعقاب عاصفة الحزم بعد، إلا أن الوضع أسفر عن الكثير من النتائج المتوقعة. فإحدى أهم النتائج أن دول الخليج باتت تعرف أن عليها من الآن وصاعدا أن تعتمد على مقدراتها الذاتية وليس على غيرها، وأنها هي من يصنع قرارتها وليس بإيحاء من الآخرين. وكانت دول الخليج قد استبقت لقاء كامب ديفيد بلقاء تشاوري عقد في الرياض من اجل توحيد الخطاب الخليجي أمام الإدارة الأميركية.
ومن المعروف أن أجندة اللقاء في كامب ديفيد تضم آخر التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية وملفات الإرهاب وغيرها من القضايا الراهنة التي تشغل الطرفين.
وكما يبدو فإن اللقاء هو أيضا فرصة لمناقشة سبل الشراكة بين الطرفين وتعميق التعاون الأمني وتمدد المنظمات الإرهابية والسبل الكفيلة بتسوية المنازعات الإقليمية والالتزامات الأميركية تجاه المنطقة، وبتطوير منظومة الدفاع الصاروخية الذي بدأ النقاش حولها منذ سنوات.
قمة كامب ديفيد شهدت غياب أربعة من قادة دول الخليج. ويبدو أن هذا الغياب قد أثار القلق الأميركي أيضا. فبينما صرح متحدث باسم البيت الأبيض بأن التمثيل الخليجي في القمة مناسب ويمكن للوفود الممثلة لبلدانها نقل وجهات نظر الإدارة الأميركية إلى القادة الخليجيين فإن محللين أجانب يرون في هذا الغياب الخليجي توبيخا للإدارة الأميركية على موقفها المتخاذل.
كما أن التمثيل الخليجي هو في الواقع إشارة قوية بأن دول الخليج متحدة تجاه القضايا المصيرية التي تمس أمن واستقرار دول المنطقة. فلم تعد دول الخليج تراهن على الدعم الأميركي بل أصبحت قادرة على الأخذ بزمام المبادرة والتحرك بصورة مستقلة متى ما دعت دواعي أمنها القومي.
وجهات النظر مختلفة تجاه مخرجات القمة. فبينما ترى الإدارة الأميركية أن استقرار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط يحتاج إلى شركاء أقوياء قادرين عن الدفاع عن أنفسهم، ترى دول الخليج بأن على الولايات المتحدة التزامات تجاه المنطقة أهمها الضمان بتقديم كافة أوجه المساعدة السياسية لهذه الدول حتى يمكنها حماية أمنها الوطني. وقد يكون جعل دول الخليج حلفاء من خارج الناتو هو أحد الخيارات المطروحة أمام الولايات المتحدة في المنطقة.
إن الفترة المقبلة سوف تشهد الكثير من المتغيرات وعلى كافة الصعد الداخلية والإقليمية والدولية. فإحدى النتائج المتوقعة هو إعادة التموضع الأميركي في العالم لمواجهة أخطار محتملة في آسيا وخاصة الصين. كما أن هناك نتائج أخرى متمثلة في إعادة ترتيب البيت الداخلي في دول الخليج لمواجهة الأخطار المحدقة بهذه الدول من الخارج.
فالدور الإيراني القادم سوف يشهد تغيرا كبيرا لا شك بأن دول الخليج يجب أن تكون مستعدة له. فهل تنظر دول الخليج إلى تحالفات جديدة أم تعمد إلى الاعتماد على شركائها وحلفائها السابقين في المنطقة؟