بين الحين والآخر نجد في الإعلام الغربي تصريحات مستفزة لشخصية سياسية أو إعلامية بارزة مسيئة للعرب أو للمقدسات الإسلامية.
هذا الأمر ليس بالجديد علينا، فمنذ السبعينيات عندما برز الخليج كقوة بترولية ظهر في الإعلام الغربي وخاصة البريطاني هجمات ممنهجة على الخليجيين وأنماط حياتهم وغيرها من القضايا التي اعتبرها الغربي جزءاً من الحرية الفكرية والإعلامية، بينما اعتبرناها نحن هجوماً غير مبرر ولا معنى له سوى إثارة الكراهية ضدنا.
خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات لم تنقطع هذه الهجمات والتي عجزنا نحن عن التصدي أو وضع حد لها، ويمكن أن تكون قضية الرسوم المسيئة للرسول في الدنمارك والتي حركت مشاعر المسلمين في كل بقاع الأرض بمن فيهم مسلمو الغرب، هي القضية الأكثر توارداً والتي نظرنا لها نحن على أنها استفزاز للمسلمين بينما اعتبرها الغرب جزءاً من الحرية الفكرية.
كما أننا لا يمكن نسيان تصريحات الإعلامي البريطاني كيلي روي سيلك والذي قال في برنامجه المشهور في عام 2004 «لا ندين للعرب بشيء سوى النفط، فهم انتحاريون ومضطهدون للنساء»، والتي كانت جزءاً من تلك الحملة الشعواء ضد العرب. وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 توالت الهجمات الممنهجة ضد المسلمين رغم أنه من قام بها لا يمثل الإسلام.
أسباب تلك الجرأة الإعلامية على العرب والمسلمين كثيرة ومتعددة، بعضها ذو جذور تاريخية غائرة في القدم والبعض الآخر له علاقة بتلك النظرة الدونية التي غالبا ما ينظر المستعمر لمن وقع يوما تحت سطوته، فمنذ الحروب الصليبية كان ذلك الصراع الحضاري بين الشرق والغرب، والذي تجلى بوضوح في موقف كل من صلاح الدين الأيوبي والملك ريتشارد قلب الأسد، ملك إنجلترا.
موقف الثقافة العربية الإسلامية التي تحترم الآخر وموقف الغرب الذي جبل على قيم مختلفة كل الاختلاف وتفسير للاحترام غير الذي تسير عليه الثقافة العربية الإسلامية، فقد نظر الغربي لهذا الاحترام الذي تبديه الثقافة العربية للآخر ليس بكونه ضعفاً ولكن لكونه القوة التي يستمد منها المسلم قوته وكرامته.
وبالتالي فقد جعله هذا التفسير يتمادى في غيه مدركاً بأن إهاناته المتكررة لن تجد من يوقفها من ناحيتنا بينما يجد من يحميها من ناحيته تحت غطاء الحرية الفكرية، بالإضافة الى ذلك فتفرق كلمتنا وعدم توحد وجهات نظرنا جعل موقفنا أمام الآخر ضعيفاً وغير موحد، وعلاوة على ذلك فالآخر يدرك جيداً نقاط ضعفنا كما يدرك نقاط قوتنا. ولذا تجرأ علينا بينما لم يستطع فعل الشيء نفسه تجاه الشعوب الغربية الأخرى أو حتى الشرقية منها.
إن الغرب مدرك بأننا في جوانب كثيرة أفضل منه، وهذا ما يقلقه ويثيره ضدنا، فمن الجوانب الحضارية والتاريخية تفوقنا عليه من حيث إرثنا العلمي والحضاري والثقافي، كما لم يستطع أن يغفر لنا هزيمته في الحروب وانتصارنا عليه، ولكن هذا التاريخ لا يشكل اليوم سوى الخلفية التي يقف عليها الطرفان.
وراء هذا التجني أسباب أخرى سياسية واقتصادية وثقافية وحضارية، الأسباب السياسية واضحة خاصة عندما تقف وراء تلك التصريحات «لوبي معين» أو أجندة كالانتخابات أو التصويت أو جني مكاسب سياسية، أما الأسباب الاقتصادية فهي الأخرى واضحة.
فالعالم العربي والإسلامي سواء شاء الغربي أم أبى منتج مهم للطاقة والخامات الأساسية التي تؤثر في الصناعة الغربية، وبالنسبة للغربي فإن المكسب والخسارة أمر مؤثر في الولاءات الغربية وليس القيم الأخلاقية.
حضارياً فقد كانت علاقة الشرق المسلم بالغرب على الدوام علاقة مضطربة يؤجج نارها من جاء الى السلطة وامتلك نظرة معينة نحو حضارة الآخر أو دينه، فالغرب مدرك تأثير الإسلام في نفوس أتباعه.
فلا غرو أن تسود حالة من عدم الوئام بين الطرفين حتى مطلع العصر الحديث عندما خضع الشرق المسلم برمته للهيمنة الغربية التي سلبته خيراته وأخضعت أهله، ولكنها لم تستطع النيل من تعلقه بدينه أو قيمه الحضارية، وكان أكثر ما يثير دهشة الغربي عند تعامله مع المسلم تلك العلاقة الأزلية بينه وبين ثقافته ودينه وهي العلاقة التي يفتقدها الغربي.
إذاً فالقيم الشرقية التي لا تتجزأ هي التي جعلت الآخر يتمادى في غيّه ويرفض الانصياع لمبدأ الحوار الإيجابي مع الآخر، ذلك الوضع هو ما يجعلنا بين الحين والآخر نكون ضحية لتصريحات هوجاء من قبل الغرب.