مع الاحتفالات باليوم العالمي للغة العربية، يقوم الزملاء بنبش كتب التراث وإخراج أجمل ما فيها من قصص وقصائد ومرويات.. تنظر إليها فتستغرب من بلاغة الأوائل وفطرتهم السليمة وسرعة بديهتهم.
تستوقفني كثيراً قصص كرمهم، كثيرة هي القصص التي يتناقلها «ربعنا» عن أن أحدهم بُشّر بكذا ففصخ عباءته ورماها إلى من بشّره، أحدهم بشّره بكذا فأعطاه قميصه، قال له أحدهم رزقت بغلام فألقى إليه بكذا، أجدادنا اللطفاء كانوا يعبرون عن كرمهم بما عليهم من ملابس! لا أعلم لِمَ اختفت هذه العادة الجميلة.
حسناً لنضع الموضوع بهذه الطريقة: ربعنا الآن يخشون من إحياء هذه العادة لأن أحدهم لن يحس بأنه سيكون من الجميل أن يعود لمنزله «بإزار وفانيله» أو أن يعود حاسر الرأس، لكن لا بأس لكل مشكلة حل.
يمكننا استبدال إعطاء شيء مما تلبسه بإعطاء شيء مما تحمله، تعطيني بشرى أو بشارة كنت أنتظرها، كأن تقول طلعلك بيت شعبي يا فلان، فأخلع عليك الساعة التي ألبسها، أو أعطيك نظارتي الشمسية، ربما علبة تبغ في جيبي، أو أقل أو أكثر بحسب الحالة، والأجمل أن أعطيك هاتفي المتحرك، تخيل لو أن أحدهم أعطاك هاتفه كم سيكون كم المتعة التي ستحصل عليها، ونصيحة إذا ما تطور الأمر بهذا الاتجاه، أن تبدأ أولاً بفحص الرسائل النصية المرسلة، فهناك تسكب العبارات: «انزلي أنا تحت في الكوفي».. «بو(...) عندك سلف أربعين ألف».. «أنا كله عشان العيال وله أمج ما تستاهل أصلاً»..
ما أجمل ذلك الشعور بأنك الآن تعرف أسرار أحدهم! لفرط أمراضنا النفسية، فكلما عرفنا أن أحدهم لديه من المشكلات ما لديه، أحسسنا بقلوبنا أكثر صفاء تجاهه! لا نحب السعادة إلا لمن شقي مسبقاً، لماذا لا أعلم!
رحم الله السلف وعادة المنح مما يُفصخ، ماذا لو سمع أحدهم ست بشارات قوية في اللحظة نفسها! سؤال جدلي، ربما كانت فرحتهم من القلب، ليست محسوبة ولا متوقعة، ولهذا كان ذلك الفعل الغريب الجميل.. عن نفسي مستعد أن أعود إلى المنزل حافياً وبالحد الأدنى من الحشمة، وأهبها لمن يبشرني بأي شيء جميل ليمسح تلك الذكرى السيئة.
بشرتُ أحدهم بأمر نقله من قاع المجتمع إلى قمته.. وكل ما فعله أنه أكرمني بأن مازلت في قائمة مسجات واتسابه ليوم الجمعة حتى الآن!
.. تعبناك معانا!