أحدث الأخبار
  • 05:29 . الإمارات "تلاحق العالم" عبر تدريس الذكاء الاصطناعي للأطفال من سن الرابعة... المزيد
  • 05:11 . حزب العمال الكردستاني يقرر حلّ نفسه بعد 40 عاماً من التمرد على تركيا... المزيد
  • 04:55 . القسام تقرر الإفراج عن الأسير الإسرائيلي الأمريكي اليوم... المزيد
  • 12:50 . الشارقة.. مبادرة لجمع 2.6 مليون درهم دعماً لغزة... المزيد
  • 12:07 . نتنياهو يرفض الالتزام بأي وقف إطلاق نار مع حماس... المزيد
  • 11:58 . القمة الشرطية العالمية تنطلق غداً في دبي... المزيد
  • 02:32 . حماس تعتزم الإفراج عن أسير أميركي ووقف مؤقت لإطلاق النار... المزيد
  • 08:47 . محمد بن زايد والشرع يبحثان تعزيز العلاقات والمستجدات الإقليمية... المزيد
  • 06:44 . كيف تخطط لرحلة الحج من الإمارات؟.. التصاريح والتطعيمات ومتطلبات السفر الرئيسية... المزيد
  • 06:32 . بوتين يعرض على أوكرانيا محادثات مباشرة في إسطنبول... المزيد
  • 12:39 . بعد قطع العلاقات.. الإمارات تعفي السودانيين من غرامات تصاريح الإقامة... المزيد
  • 12:37 . "محكمة أبوظبي" ترفض مطالبة شاب باسترداد 90 ألف درهم من زميلته لغياب الإثبات... المزيد
  • 12:12 . السعودية وإيران تبحثان تعزيز التعاون ومستجدات الملف النووي... المزيد
  • 11:54 . "صحة أبوظبي" تكشف عن شبكة تزوير إجازات مرضية عبر "واتساب"... المزيد
  • 11:52 . باكستان والهند تتبادلان الاتهامات بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار... المزيد
  • 11:50 . سوريا.. احتراق أكثر من 30 هكتاراً بريف اللاذقية خلال 4 أيام... المزيد

المشهد العربي الفانتازي

الكـاتب : عبد الله السويجي
تاريخ الخبر: 18-08-2014

المشهد العربي الحالي يحتاج إلى فنان سريالي كي يرسمه، وشاعر فانتازيا كي يعبر عنه بلغة أقرب إلى الخيال، يتمكن من رسم دهشة استثنائية على الوجوه، بعبارات صادمة لها القدرة على زلزلة ما تم استقباله من مشاهد ترسخت في العقول، واعتادت عليها العيون، وبتشبيهات لم تستخدم من قبل، وتحتاج إلى روائي قادر على سرد التفاصيل التي أصبحت واقعاً رغم دمويتها، وقادر على رسم الشخوص بقلم يبهر، فالأحداث تجاوزت ما يمكن للوعي استيعابه، والبصر على تصديقه، والشخوص تجاوزت كل الشخوص التي تطرقت إليها قصص الرعب والعبث والخيال .
المشهد العربي يختلف عمّا تحاول جامعة الدول العربية رسمه، المشهد لا يجتمع تحت سقف واحد، ولا يحمل مسمى واحداً، ولا ينطق بلغة واحدة، فالأعضاء لا يمثلون بلادهم تمثيلاً دقيقاً، ولو التزمنا الأسلوب الواقعي في الوصف لقلنا إن معظم الدول في حاجة إلى خمسة مندوبين ليمثلوها، ويتحدثوا بأسمائها، فالمشهد على الأرض ليس كما يبدو تحت سقف الجامعة، والمتحدثون لا يمكنهم التحدث بحزم أو بجزم عما يجري في بلادهم، على الأقل في الدول التي شهدت تغييرات نتيجة (الربيع العربي) الذي خلق تلك الأحداث والشخوص .
المشهد العربي الآن يصعب تناوله حسب الأقطار والدول والشعوب والكيانات الموحدة، فكل شعب من تلك الشعوب منقسم على ذاته، جغرافياً وطائفياً ومذهبياً ودينياً، ومن يرفض الاعتراف بالتقسيم فهو مخطئ، ومن يرفض حالة التشرذم المدمرة فهو لا يرى الحقيقة، ومن يعتقد أن الوضع مسيطر عليه فإنما يرى بعين قديمة أكلها الصدأ، ويحتاج إلى تبديل بصيرة .
المشهد العربي المتشكل حاليا في خمس دول على الأقل هو مشهد يدعو إلى الرثاء والحزن، عشرات الإيديولوجيات والأحزاب والتنظيمات والألوية والكتائب والمجموعات، كل واحدة تدين بدين، وكل واحدة تؤمن بمذهب، وكل واحدة على عداء مع الأخرى، وترفض قبولها، وأصبح السيف هو لغة الحوار، وهو الذي يحسم الصراع فيما بينها، وعجائبية المشهد تكمن في أن أحداً لا يستطيع حسم الصراع لصالحه، ليس لأنه عاجز عن تحقيق ذلك، ولكن لأنه غير مسموح له تجاوز خطوطه الحمر، ولأنه بكل بساطة لا يمتلك قراره وزمام أمره، وهو مقيّد بالدعم المالي والعسكري واللوجستي الذي يأتيه من الجهات المتحكمة بالصراع .
مطلوب من المشهد العربي أن يبقى على حاله، ومطلوب منه في الفترة القادمة أن يزداد تأزّماً وتفسّخا وشرذمة، ومطلوب من كل جهة أن تزيد من تدميرها، وتضاعف أعداد القتلى والجرحى والمشردين والنازحين والفقراء، مطلوب من المشهد العربي أن يزداد فوضوية وتأخّراً حتى يصل إلى مرحلة يصاب فيها الجميع بالإرهاق، ويستجدون جهة أخرى لوقف القتال والصراع، وهذه الجهة جاهزة بقدراتها القتالية وخبرائها وأموالها، وهي تستعد للعودة عندما يأتي الحريق على الأخضر واليابس، حتى يقبل بها الجميع، وهؤلاء لن يسألوا ما هية هذه الجهة، وأهدافها وانتماءاتها وخططها، فالمشهد سيكون في حاجة ماسة للمأوى ولقمة الخبز وجرعة الماء وحبة الدواء والأمن والأمان .
لقد بدأت الولايات المتحدة بالتحرك، ومعها الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، لإنقاذ الأقلية الإيزيدية التي تشرذمت على الجبال وفي الصحراء ومهددة بالموت، ولإنقاذ المسيحيين الذين هُجّروا من محافظة الموصل العراقية، ولإنقاذ الأكراد وحكومتهم وأراضيهم وآبار نفطهم وأموالهم وتجارتهم، وقد أعلنوا جميعا استعدادهم لتسليح (البشمركة) للتصدي لزحف مقاتلي (دولة الخلافة) .
هذه الدول تشاهد ما يجري في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات، تتفرج على الدمار وأنهار الدم والرؤوس المقطعة، وتتابع (بطولات النصرة وداعش)، وتشاهد البراميل المتفجرة وطوابير النازحين والمشردين . منذ أكثر من ثلاث سنوات وهي تفكر في تزويد المعارضة السورية بأسلحة غير فتاكة، وأحيانا تفكر بتزويدها بأجهزة اتصالات، حتى وصل عدد القتلى إلى ما يقارب 200 ألف، وحتى تم تدمير مساحات شاسعة من المدن والأراضي الزراعية والمناطق الصناعية . وهذه الدول تشاهد ما يجري أيضاً في ليبيا منذ الإطاحة بصديقها العقيد القذافي، ولم يرمش لها جفن وليبيا تحترق شيئا فشيئا .
وهذه الدول لم تكن تلعب دور المتفرج كما يظهر للجميع، كانت ترسل أسلحة عبر تركيا للمعارضة السورية، وكانت تذهب كل تلك الأسلحة إلى أطراف متشددة متطرفة، حتى قويت شوكة المتطرفين، وأصبحوا يطالبون التنظيمات المعتدلة للعمل تحت ألويتهم، ومبايعتهم، ومن يتأخر يتم قطع رأسه أو تفجيره بسيارة مفخخة .
هذه الدول المتحضرة لم تفعل شيئاً سوى أنها استقبلت عشرات النازحين السوريين والعراقيين والتونسيين والليبيين، وستعمل على دمجهم في مجتمعاتها ليحلوا الأزمة الديمغرافية التي تعاني منها تلك المجتمعات، بدلاً من مساعدتهم على تحقيق الاستقرار في بلدانهم وإبقائهم فيها .
المشهد العربي الرسمي القابع تحت قبة جامعة الدول العربية ظل على حاله، لم يهب أحد لنجدة (البشمركة)، أبطال العصر الذين سيواجهون (داعش) وأخواتها، والذين سيحصدون نتائج لا تتوقعها (الجامعة)، التي لم تتحرك لنصرة الجيش العراقي، ربما لموقفها من (المالكي)، وانتظرت حتى تحركت الطائرات الأمريكية والألمانية وبعدها ستتحرك طائرات حلف الناتو .
هل قرأ أحد مرحلة ما بعد المشهد العربي الحالي، وهل يفكرون بما ستؤول إليه الصورة النهائية للمنطقة العربية، هذه المنطقة المهددة بأن لا تبقى عربية، مع وجود الأطماع الغربية والعالمية، ومع وجود الكيان الصهيوني المتحفز للانقضاض على المشهد برمته في اللحظة المناسبة .
لم يقرأ أحد حتى الآن هذا المشهد بالسرعة المطلوبة، ف(داعش) تدق أبواب بغداد بينما السياسيون يتناحرون، والجماعات المسلحة تحرق ما تبقى من ليبيا بينما (البرلمانيون) يتقارعون، و(داعش) طرقت باب لبنان من جهة (عرسال)، ولبنان يعيش فراغا رئاسيا، ويدير أموره بحكومة مؤقتة، ومهدد بفراغ برلماني، ناهيك عن أزمته الاقتصادية الخانقة، والفلتان الأمني المستشري من جنوبه إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه .
من سيتولى إعادة تنظيم هذا المشهد، ومن سيتولى إعادة تركيبه من جديد، والتأليف بين المتناحرين؟
المرحلة القادمة خطيرة جداً، وعلى الجميع أن يفكروا بطريقة جماعية تتجاوز حدود كل قطر، وإلا سيتم ترجمة المقولة المعروفة (أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض) .