يقولون أيضاً إنه كلما تبصر الإنسان أكثر وسافر أكثر وعرف أكثر، فقد متعة الفرح بحصول الأشياء، فحين تطأ قدماك لأول مرة مدينة جميلة حلمت بها بعد أن رأيتها في الصور والمجلات، وحين تعشق امرأة ساحرة تتبعت ملامحها في قصائد نزار قباني، وحين تحقق أول أحلامك وحين، وحين.، تعلم أنك تعيش بهجة المصادفة والاكتشاف الأول، لكنك في المرة الثانية لا تجد المتعة نفسها، فيظل طعم ذلك الحدث حاراً في قلبك، تستعيده في مخيلتك وفي أحلام يقظتك، لكنك أبداً لا تستطيع أن تكرره، الزمن الجميل واللحظات السعيدة والضحكات التي ترن في قاع القلب، إذا ذهبت لا تعود ولا تتكرر، وحتى إن حاولت أن تستنسخها، فإن شيئاً ناقصاً يخدش صفاء اللحظة ولا يمكن العثور على ماهيته مهما حاولنا!
الزمن الجميل اذا ذهب صعب استعادته بالطريقة نفسها، لأننا نحن الذين عشنا ذلك الزمن البهيج لم نعد نحن، لسنا في العمر نفسه، ولا نعيش الظروف نفسها ربما، لا تعود صحتنا كما كانت، ولا خفة أرواحنا، نتقدم في العمر فتثقل أرواحنا بالآلام والأحزان والتجارب، التجربة عبء، والمعرفة عبء، وكل ما يمر بنا يترك أثراً كالوشم أو الكي في داخلنا، والأدهى حين يربونا أهلنا على ثقافة كبت المشاعر وردات الفعل، ولأنك كبير عليك أن لا تضحك وأن لا تعبر عن بهجتك بما يخدش وقارك، وعليك أن تكون رزيناً دائماً ورصيناً أبداً، ما يثقل قلبك أكثر ويباعد بينك وبين نعمة البهجة!
إن العربي عادة ينتمي لثقافة صارمة، ويخضع لتربية متزمتة، تمازج الدين بالعادات والأعراف والخرافات، كانت المرأة الكبيرة التي تمشي أمامي في تلك الحديقة، تقوم ببعض التمرينات الرياضية، فاذا بمجموعة من النساء يصحن بها ناصحات بأن هذه الحركات تسيئ لعمرها، وعليها أن تقوم بها في البيت بعيداً عن الأعين، مع أنها كانت تحرك ذراعيها في الهواء لا أكثر، وحين ذهبت صديقتي ببطلة الرياضة، لتمشي في الحديقة نفسها، منعتها والدتها، معتبرة بدلة الرياضة عيباً كبيراً، سيسبب فضيحة للعائلة .
ليس في الأمر فضائح بلا شك، لكن هكذا نتربى حتى يصير العرف أقوى من المنطق ومن التفكير العقلاني !
نحتاج لأن نعيد قراءتنا لواقعنا واحتياجاتنا الحقيقية، بما يجلب لنا الراحة، ويتلائم مع حركتنا في الحياة، ولنكن منطقيين وعقلانيين بعض الشيء، ليس مطلوباً أن نرتكب أخطاء ضد العادات، ولكن مطلوباً أن لا نرتكب حماقات ضد أنفسنا!