شاب مواطن يمتلك ويدير مكتباً عقارياً صغيراً، يقول: «ذهبت لمكتبي يوماً فوجدت رجلاً آسيوياً بسيطاً في مظهره يركب على (سيكل)، أي دراجته الهوائية، التي وصل بها، ويطلب لقائي، سألته عن طلبه، فقال: (لقد بعت لكم شقة وأريد عمولتي)، أجبته ببساطة: (حاضر لك ما تريد)، أخذ عمولته وانصرف».
وهنا بداية القصة التي لا يمكن فصلها أبداً عن النهاية، على الرغم من كون نهايتها مفتوحة لم تُغلق بَعْدُ، إذ يقول ذلك الشاب بعد أشهر عدة لا تتجاوز التسعة، ذهبت للقاء مجموعة من المستثمرين الأجانب، وإذ بشخص تبدو عليه النعمة، تقدم نحوي وسلم عليَّ بحرارة، عارضاً عليَّ العمل معاً في المجال العقاري، فهو كما عرف نفسه صاحب شركة عقارية، ولديه زبائن كثر، ثم فاجأني ليقول: «يبدو أنك لم تعرفني، أنا ذلك الشخص صاحب الدراجة الهوائية الذي زرتك في المكتب قبل شهور، الآن أملك سيارة فارهة ومنزلاً خاصاً، وأدير شركتي العقارية الخاصة!».
كذلك هي الإمارات، أرض الفرص كما قلت في مقال أمس، وهذا الآسيوي ما هو إلا نموذج لآلاف النماذج، جاؤوا هنا بسطاء، وتحولوا إلى أصحاب مال وأعمال، ليس في ذلك حسد، بل هي حقيقة وواقع، وليس في ذلك تحامل، بل تحفيز لشباب الإمارات، فهم أولى من غيرهم، وعليهم التفكير جدياً في الدخول إلى العمل الخاص، وتحقيق الريادة في الأعمال، لا أنكر أبداً أنهم يحتاجون دعماً حكومياً مضاعفاً، لكن من الضروري أن يبدأوا العمل، اليوم وليس غداً!
الجهات الحكومية أيضاً مطالبة بمزيد من الدعم، وبالمناسبة فإن مهنة «الدلالة» أو الوساطة العقارية، كانت منذ قديم الزمن مهنة للمواطنين، يديرونها بامتياز، وكان عدد الأجانب في هذا القطاع قليلاً جداً، يقتصر على بضع شركات معروفة، لكن بعد الطفرة العقارية كان يفترض تلقائياً أن يزيد عدد المواطنين في هذا القطاع، إلا أن ما حدث هو العكس تماماً، فالمهنة اليوم وبعد تنظيمها من دائرة الأراضي في دبي، تضم أكثر من 4000 شخص ومكتب مرخص أغلبيتهم العظمى من الأجانب، والمواطنون القدامى في هذا المجال تركوه إما بالتقاعد أو الوفاة، والجيل الجديد من شباب الإمارات التحقوا بوظائف حكومية، وتركوا هذا القطاع لذلك الآسيوي صاحب الدراجة الهوائية، وغيره الآلاف، أثروا وأسسوا شركات كبيرة بعد أن كانوا بسطاء لا يملكون شيئاً!
ما الذي كان سيحدث لو تم تنظيم هذا القطاع الحيوي المهم بشكل أفضل؟ وما المانع من تمكين المواطنين فيه، وإعطائهم الأولوية في إنشاء شركات الوساطة؟ ليس في ذلك عنصرية، ولن نطالب بمنع الأجانب من الدخول للعمل في هذا المجال، لكنه قطاع حيوي، وليس صعباً، ويمكن للشباب الإماراتيين أن يعملوا فيه بسهولة، ومن دون تعقيد، ومع ذلك ضيعناه وتركناه للغير الذي أجاد العمل فيه، وأجاد تكوين المال منه، وأصبح يديره بتمكن!
نحتاج إلى تمكين الشباب أكثر في مجال ريادة الأعمال، ونحتاج إلى أن تدعمهم الدوائر والجهات الحكومية بشدة، وباستمرارية، وقبل ذلك نحتاج إلى همة الشباب أنفسهم، وجرأتهم في اقتحام القطاع الخاص ليس كموظفين في شركات ومصارف، بل كأرباب عمل يمتلكون مشروعاتهم الخاصة، فليبدأوا بأشياء صغيرة، لا مانع في ذلك، فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة!