هناك تفسيرات عديدة لما يردده بعض الكتّاب والمثقفين والمفكرين من تشكيك حول الإسلام وأصوله وثوابته ونصوصه، منها أن هذه الفئة أصابها نوع من الهذيان الفكري والزهو بالموهبة أو بالمعرفة التي تميزت بها، ومنها أيضاً الرغبة في نقل حالة التخبط والحيرة إلى داخل العقل المسلم.
وخطأ هذه المجموعة التي جعلت من شعار «العقل» ستاراً، دون مراعاة لأمانة الكلمة وواجب الضمير، أنها حرّفت المعاني والمقاصد عن مدلولاتها الحقيقية، خاصة فيما يتعلق بالإسلام ونصوصه، فاجتهدت بكل ما أوتيت من قوة كي تثبت أن الإسلام مثله مثل باقي الأيديولوجيات والفلسفات الوضعية التي أدمنت العبث بنصوصها، غير مدركة أن القرآن محفوظ بتعهد إلهي إلى يوم الدين، وأن الباحث عن الحقيقة مهما منعه عمى البصيرة عن رؤية نور الإسلام الساطع في سماء العالم، سيكتشف في نهاية الأمر هذه الحقيقة، وكما يقول إمام الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت في كتابه «الإسلام عقيدة وشريعة»، فإن الباحث، عند النظر في جوهر الإسلام والقرآن والتعرف على أسلوبه ومعانيه وآياته والإحاطة بكل ما يتعلق بنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، سيخضع عقله وقلبه للحق، ويدرك أن ذلك من الله عز وجل، وأنه أوحى به إلى رسوله كي يبلغه للناس أجمعين، وسوف يدرك أن دين الإسلام حين يطلب من الناس أن يؤمنوا به لا يحملهم بالإكراه أو عبر الخوارق الحسية، وإنما بالحجة والبرهان الذي يملأ قلوبهم بنور الحق ويدعوهم للنظر في ملكوت الخالق، كما سيدرك أن دين الإسلام يتسع للحرية الفكرية العاقلة ويساير جميع الثقافات والحضارات النافعة.
وقد كتب الدكتور مصطفى محمود في كتابه «رحلتي من الشك إلى الإيمان» قائلا: «لقد رفضت عبادة الله لأني استغرقت في عبادة نفسي، وأعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي وبداية الصحوة، وغابت عني أيضاً أصول المنطق وأنا أعالج المنطق فلم أدرك أنني أتناقض مع نفسي عندما أعترف بالخالق ثم أقول: من خلق الخالق؟ فأجعل منه مخلوقاً في الوقت الذي أسميه خالقاً، وهذه هي السفسطة بعينها». ثم يتابع: «لقد احتاج الأمر مني ثلاثين سنة من الغرق في الكتب وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل وإعادة النظر وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطريق الشائكة إلى الله، لم يكن الأمر سهلاً لأني لم أشأ أن آخذه سهلاً. لو أني أصغيت إلى صوت الفطرة وتركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي من عبادة الجدل ولقادتني الفطرة إلى الله، لكني جئت في زمن يعقد فيه كل شيء وقد ضعُف فيه صوت الفطرة وارتفع صوت العقل حتى صار غروراً واعتداداً».
وقريب من ذلك ما لاحظه الدكتور عبدالوهاب المسيري في رحلته من الإلحاد إلى الشك ثم إلى الإيمان، والتي كان مبعثها تأمله لطبيعة الإنسان المركبة، وانتقاله من ضيق المادية إلى رحابة الإنسانية، فأخذت منه الرحلة نحو ربع قرن، ليدرك بعقله وحسه أن بعض الكتابات الأدبية والفلسفية الغربية تقع في خلط شديد ولا تفرق بين الروح والمادة، وأنها تلغي الإنسان وتؤمن بانتصار المادة، وتنبه المسيري إلى استحالة عيش الإنسان في عالمه المادي دون مركز ودون قيم مرجعية، فاتجه إلى مرحلة الإيمان ليجد حلاوة السعادة فيه، كما وجد أن الله هو الضامن الوحيد لوجود الإنسان، وأن سعادة هذا الأخير أن تكون عبادته خالصة لوجه الله تعالى، وعندها يتراءى له نور الحقيقة.